صدى الشعب – كتبت سهاد طالباني
لا شك في ان نجاح إسرائيل في اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله يعتبر نجاحا استخباراتيا وعسكريا كبيرة، ويشكل ضربة موجعة وجهتها حكومة نتنياهو الى أحد اهم القوى المعادية لها بشكل خاص والى محور المقاومة بشكل عام. ولكن يظل التساؤل الأهم هنا عما إذا كانت هذه الضربة نجاحا استراتيجيا ام لا.
الأمر المؤكد، أن الأوضاع في المنطقة بعد اغتيال نصر الله لن تكون كما كانت عليه قبل هذا الحدث الكبير، وذلك بغض النظر عما ستؤول اليه الأمور، ومع التأكيد انه لا يمكن الجزم بالطريقة التي ستتطور فيها الاحداث على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية.
ما يمكن الحديث عنه بثقة، هو ان غياب حسن نصر الله عن المشهد سيترك فراغا كبيرا، سواء داخل حزب الله، او داخل لبنان، وحتى على المستوى الإقليمي. فحسن نصر الله لم يكن شخصا عاديا او مجرد قائد سياسي او عسكري، فهو الرجل الذي جعل من حزب الله لاعبا أساسيا في المنطقة منذ ان قاده على مدى ثلاثة عقود، وهو السياسي الذي تمكن من التأثير في شكل العلاقات السياسية والأمنية داخل لبنان وخارجه. والسؤال هنا هو كيف سيتم ملئ هذا الفراغ، ومن سيملأه، وكيف سيملأه؟
على مستوى الحزب، فمن المؤكد ان اغتيال قائده سيؤدي الى حالة من الفوضى الداخلية. فالحزب على مدار عشرات السنين لم يعرف قائدا غير حسن نصر الله، ولا يمكن لأي تنظيم قاده شخص لهذه المدة الطويلة وبهذه المواصفات الخاصة ان يتمكن من إيجاد البديل بسهولة أيا كانت مرونة أو تعقيد هياكله التنظيمية الداخلية. إضافة الى ذلك، فإن إسرائيل قد استبقت اغتيار نصر الله بسلسلة من الاغتيالات التي استهدفت العديد من قيادات الحزب العسكرية والسياسية، وهو ما يعزز من مؤشرات انتشار الفوضى داخل اركان الحزب، على الأقل مؤقتا.
على مستوى لبنان فإن غياب حسن نصر الله سيؤثر أيضًا على الوضع السياسي في لبنان بشكل عميق، فحزب الله يُعد أحد اللاعبين الرئيسيين في الساحة اللبنانية، ووجوده ونفوذه السياسي يتجاوز تأثيره العسكري. نصر الله كان شخصية كاريزمية قادرة على التأثير في القرارات الداخلية اللبنانية، والتوازنات الطائفية والسياسية بين مختلف القوى. في غيابه، قد يظهر فراغ في السلطة، ليس فقط داخل حزب الله، بل أيضًا على مستوى المشهد السياسي اللبناني ككل. هذا الفراغ قد يزيد من حدة التوترات الداخلية ويؤدي إلى نزاعات بين الأطراف المختلفة التي تسعى لتعزيز نفوذها.
على المستوى الإقليمي، فحزب الله يُعتبر حليفًا مهمًا لإيران وذراعًا رئيسيًا لمحور المقاومة. اغتيال نصر الله قد يُضعف من قدرة الحزب على التنسيق مع باقي عناصر المحور ويجعل من الصعب عليه الاستمرار في دوره كعنصر توازن مقابل إسرائيل. هذا الفراغ القيادي قد يؤدي إلى تغييرات في الديناميكيات الإقليمية، بما في ذلك تعزيز الدور الإيراني المباشر في دعم الحزب، أو حتى حدوث تحولات في كيفية تعامل القوى الإقليمية الأخرى مع الوضع في لبنان.
في حال استمرار حالة الفوضى داخل حزب الله لفترة طويلة، فإن هناك عدة سيناريوهات محتملة. أحدها هو تفكك هيكل القيادة المركزية للحزب وتحوله إلى مجموعات فرعية ذات ولاءات مختلفة، مما يخلق حالة من الانقسام الداخلي. هذا السيناريو قد يؤدي إلى ضعف فاعلية الحزب كقوة موحدة، وقد تفقد هذه المجموعات قدرتها على التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات الإقليمية أو للرد على أي اعتداءات، مما يجعل الحزب عرضة لاستغلال ضعف قيادته من قبل خصومه سواء داخليًا أو خارجيًا.
سيناريو آخر محتمل هو تدخل القوى الإقليمية الداعمة للحزب، مثل إيران، بشكل أعمق لإعادة تشكيل القيادة وترميم بنيته التنظيمية. هذا التدخل قد يواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف المعقدة والمتغيرات السياسية في لبنان والمنطقة. إذا لم تنجح هذه الجهود، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع نفوذ الحزب بشكل كبير في الساحة اللبنانية والإقليمية، مما يفتح المجال أمام قوى سياسية وعسكرية أخرى لتعزيز نفوذها في لبنان، وقد يؤدي أيضًا إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، بشكل يعزز من قوة منافسي الحزب ويضعف محور المقاومة بشكل عام.
سؤال آخر يبرز بقوة هنا، وهو كيفية الرد الذي سيتخذه الحزب أو محور المقاومة بشكل عام على اغتيال نصر الله. من المتوقع أن يكون هناك ضغوط قوية للرد، سواء للحفاظ على الهيبة أو لردع إسرائيل عن اتخاذ خطوات مماثلة في المستقبل. لكن في ظل الفوضى الداخلية التي قد تنشأ، والفراغ القيادي، قد يكون من الصعب على الحزب اتخاذ رد سريع ومنظم.
بالتالي، يمكن القول إن نجاح إسرائيل في اغتيال حسن نصر الله لا يُعتبر بالضرورة نجاحًا استراتيجيًا طويل المدى. على الرغم من أن هذا العمل يُضعف حزب الله على المدى القصير ويزيد من الفوضى في صفوفه، إلا أنه قد يؤدي إلى تداعيات تعزز من حدة التوترات وتؤدي إلى تصعيد غير متوقع في المنطقة.
،في النهاية، يبقى السؤال الأهم: إلى أين سيقود اغتيال حسن نصر الله المنطقة؟ هل سيتمكن حزب الله من تجاوز الفوضى الداخلية واستعادة تماسكه ليظل لاعبًا رئيسيًا في الصراع الإقليمي، أم أن حالة الاضطراب ستتفاقم وتفتح المجال أمام تغيرات جذرية في ميزان القوى داخل لبنان وخارجه؟ كما يبقى التساؤل عن مدى تأثير هذه الضربة على محور المقاومة بأكمله، وهل ستتمكن القوى الإقليمية الداعمة للحزب من سد هذا الفراغ وإعادة التوازن، أم أننا أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار والتصعيد في المنطقة قد تتجاوز توقعات الجميع؟