صدى الشعب _ أسيل جمال الطراونة
يشهد الواقع المناخي في المملكة تغيرا ملحوظا وتحديًا ضخمًا للزراعة في الأردن كغيره من دول العالم جراء الارتفاعات غير المسبوقة على درجات الحرارة صيفًا، وتأخّر موسم الشتاء مع تراجع نسبة هطول الأمطار، نتج عن التغيرات المناخية وانخفاض كبير في مخزون المياه الجوفية ونسب الأسطح المائية، مما أدّى لاختلال واضح في الدورات الزراعية، وتغيّر في مواقيتها السنوية.
وبات التغير المناخي يشكل تحديا وجوديا لقطاع الزراعة، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتناقص معدلات الهطول المطري، تزداد المخاطر على الأمن الغذائي والموارد المائية التي تعتبر أساسًا للزراعة ، ويؤثر بالتالي على إمدادات المياه وتحقيق الأمن الغذائي وتهديد التنوع الحيوي وزيادة التصحر وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة والتأثير على كمية ونوعية المحاصيل الزراعية.
ويقول مستشار السياسات البيئية والمناخ في الأردن عمر الشوشان لـ “صدى الشعب” ، إن الإنتاج الزراعي يرتبط ارتباطاً وثيقًا بالمناخ مما يجعل الزراعة واحدا من أكثر القطاعات الاقتصادية حساسية وتأثراً بالمناخ، مبينا أنه وفي ضوء ضعف وتواضع القطاع الزراعي الأردني، تكون التأثيرات المناخية فورية وتمثل تحدياً كبيراً لغالبية سكان الريف الذي يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على الزراعة لمصادر رزقهم وكسب معيشتهم.
وأشار أن المخاطر الرئيسية المرتبطة بالمناخ على قطاع الزراعة تتمثل بإرتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار والتذبذب في مواسم الأمطار والتغيرات الموسمية وموجات الحر والظواهر المناخية الشديدة، خاصة الأمطار الغزيرة والجفاف.
وبين الشوشان، أنه من المحتمل أن تؤدي هذه المخاطر إلى العديد من الآثار السلبية على القطاع الزراعي، مثل تدني إنتاجية المحاصيل المطرية والمروية، وإنتاج الثروة الحيوانية وتربية النحل، مستدركا أن تغير المناخ سيؤدي إلى انخفاض خصوبة الأراضي الزراعية وانكماش المساحة المخصصة للزراعة والمتاحة لرعي وتربية الماشية، ولذلك، يعتبر قطاع الزراعة من أكثر القطاعات الاقتصادية حساسية للتغيرات المناخية.
وأضاف، أنه يتوقع أن تتوزع تأثيرات تغير المناخ على القطاع الزراعي بشكل غير متسق، حيث سيتأثر الفقراء في الريف بشكل أكثر بسبب اعتمادهم الأكبر على الزراعة، وقدرتهم الضعيفة على التكيف، مع انفاقهم معظم دخلهم من الإنتاج على الغذاء، لذلك، فيمكن أن تقوض تأثيرات تغير المناخ التقدم الذي تم إحرازه في الحد من الفقر مع تأثيرها سلباً على النمو الاقتصادي في المناطق الريفية الأكثر قابلية للتأثر، كما سيؤثر ذلك على الأمن الغذائي وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالجودة والكمية وإمكانية الوصول إلى الموارد الغذائية مما سيؤدي إلى تراجع الأمن الغذائي في عدد من المجتمعات.
وبين بأن الآثار المتوقعة لتغير المناخ، ولا سيما انخفاض الإنتاجية الزراعية وتوفر المياه، خيارات سبل العيش التي تعتمد على الموارد الطبيعية وتبقي الأفراد الأكثر عرضة للتأثر والمخاطر في حالة من انعدام الأمن المعيشي، وتعتبر الأسر الفقيرة وأفرادها أكثر الفئات عرضة لتأثيرات تغير المناخ ما يجعلهم مستحقون لأولوية التدخل عند تصميم وإعداد تدابير التكيف المناسبة.
وأوضح الشوشان، أن المساحات الزراعية المروية شهدت زيادة كبيرة في الأردن من 27.8٪ في عام 1995 إلى 39.1٪ في عام 2016، ولوحظ تحول في أنظمة الزراعة مع انخفاض كبير في المحاصيل الحقلية المطرية، حيث يعبر هذا التغير في أنماط استخدام الأراضي من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية وانخفاض الأراضي المزروعة بالمحاصيل الحقلية عن قدرة القطاع الزراعي الأردني على التكيف مع الظروف المناخية المتطورة من خلال الاستثمار في تقنيات الري وتغيير نظم الزراعة.
وحول الآثار المحتملة لتغير المناخ على القطاع الزراعي، قال تم التعرض له في عدد من الدراسات العملية المنفذة على القطاع الزراعي، حيث أظهرت أن المحاصيل الحقلية، مثل القمح والشعير، تعتبر شديدة الحساسية لتأثيرات تغير المناخ بسبب قلة الوقت المتاح لتكوين المادة الجافة وعدم توفر كميات المياه اللازمة لها، وعليه، فإنه يتوقع أن يتراوح الانخفاض في الانتاج من 7٪ إلى 21٪ للقمح ومن 18٪ إلى 35٪ للشعير بسبب قصر المدة المتاحة لنمو المحصول،وفيما يتعلق بإنتاج الزيتون، قال الانخفاض المحتمل في المحاصيل الناتجة عن تأثيرات تغير المناخ تتراوح من 5٪ إلى 10٪ .
كما وأوضح، بإنه من المحتمل أن يؤثر تغير المناخ على نمو وإنتاج النباتات الدرنية والمحاصيل الجذرية مع الإشارة لغياب الدراسات المعمقة للتأثير المحتمل لتغير المناخ على معظم هذه الأنواع من المحاصيل، علمياً على سبيل المثال، تعتبر محاصيل البطاطا حساسة بشكل خاص للإجهاد الناتج عن درجات الحرارة المرتفعة لأن عملية استحداث الدرنات وتطورها يمكن أن يثبطهما بشكل مباشر الارتفاع في درجة الحرارة، وفيما يتعلق بمحاصيل الخضروات، فقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تدني مستوى جودتها، مثل الحجم والمواد الصلبة الذائبة والطراوة. وعليه، يتوقع أن تؤدي زيادة درجة الحرارة بمقدار 1 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية إلى انخفاض محصول الخضروات بنسبة 5 و 10٪ على التوالي.
وأكد الشوشان، أنه من الضروري وضع اجراءات للتكيف والتأقلم مع اثار التغير المناخي من خلال، إعداد وتنفيذ الخطة الاستثمارية للزراعة لتعزيز القدرة على تحمل تغير المناخ، وتقديم حوافز اقتصادية على مستوى المزارع للتخفيف من آثار تغير المناخ ودعم برامج التكيف، وتفعيل قوانين استخدام الأراضي لمنع التوسع الحضري في الأراضي الزراعية، وتعديل التشريعات وتنفيذ خطط العمل مع التركيز على الاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى مواجهة الآثار الزراعية لتغير المناخ، وتعزيز قدرات وحدات، وإدارات تغير المناخ في وزارة الزراعة والمركز الوطني للبحوث الزراعية.
بدوره، يقول بشار النوافلة رئيس فرع نقابه المهندسين الزراعيين في إربد، إن تغير المناخ يعتبر اساسا في عملية التنمية لأنه يؤثر في زيادة مشكلات البطاله والفقر كما يؤثر سلبا في النمو الاقتصادي ، مشيرا أن الأردن يشهد تغيرا ملحوظًا بالمناخ ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة وتأخر الموسم المطري وتذبذب كميات الأمطار، حيث نتج عن التغير المناخي نقص كبير في مخازين المياه الجوفية والمياه السطحية وهذا يؤثر في اختلال الدورة الزراعية مما يؤدي إلى نقص في إنتاجية المحاصيل الزراعية الزراعات الهامشية وبالتالي زيادة التصحر ونقص المناطق الخضراء كذلك فان الارتفاع في درجات الحرارة يعني زيادة الاحتياج المائي.
كما أشار النوافلة إلى طرق التغلب أو الحد من مشكلة التغير المناخي والتنبه إلى اهم مسبباته والتي سببها بالأصل الإنسان، فكميات الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون ٩٠٪، منها بسبب الصناعات وانبعثات ادخنتها وغازاتها وبالتالي البحث عن طريقه لتخزين ثاني أكسيد الكربون بدلا من انبعاثه بالغلاف الجوي، واللجوء إلى استخدام الطاقة الشمسية وتحويل النفايات إلى طاقة والمحافظة على الأراضي وإعادة إحيائها وتحسين إدارتها من أجل زيادة تخزين الكربون أو تجنب انبعاثات غازات الدفيئة في المناطق الطبيعية.
من جهته، يقول المهندس أحمد ابو حمور اخصائي تغير المناخ، إن مشكلة تغير المناخ تتقاطع مع مشكلة أخرى، حيث أن الأحواض المائية الكبرى في الأردن مشتركة مع دول الجوار، مثلاً سد الوحدة أو نهر الأردن منابعهما خارج الأردن، فقي المستقبل مع تغير المناخ من المتوقع أن تصبح هذه المصادر شحيحة اكثر ويصبح تنافس أكثر على المصادر فستكون الأردن المتضرر الأكبر من هذه المنافسة لأن منابع هذه المصادر خارج الأردن.
الدكتور ضياء الروسان مدير مركز المياه والبيئة في الجامعة الهاشمية، يقول إنه على الرغم من أن القول الشائع أن تأثير التغير المناخي سيكون سلبيا على القطاع الزراعي، إلا أن بعض المناطق وخصوصاً جنوب الأردن قد يتحسن الوضع الزراعي فيها لزيادة الهطول المطري في تلك المناطق ولكن إجمالا، يبقى التأثير سلبيا ومرتبط بشكل رئيسي بالهطول المطري وموجات الحر والجفاف واتساع نطاق بعض الآفات الزراعية.
وأشار الروسان إلى أن التقنيات المتبعة للتكيف مع التغيرات المناخية معتمدة على دراسة الوضع القائم وعمل سيناريوهات مستقبلية مرتبطة بأنظمة المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد لاختيار المحاصيل المناسبة جغرافيا والاستفادة من المحاصيل المقاومة للجفاف والتغيرات المناخية المحتملة، ورفع كفاءة استخدام المياه في الري، واتباع أنظمة الزراعة الذكية، مستدركا بان الحل للحد من تأثير التغير المناخي على الزراعة في الأردن، يكمن بتحديد المحاصيل الاستراتيجية والتي نملك المقومات لانتاجها.