في مرحلة سياسية دقيقة تشهد تصعيداً إقليمياً غير مسبوق لتنفيذ مخططات جغرافية وديموغرافية معلنة وغير معلنة، نعي معها التحديات السياسية الوجودية والاقتصادية وما يرتبط بها من حولنا في المنطقة والعالم، يمضي الأردن بخطى ثابتة في مسيرة التحديث الوطني الشامل، التي أرسى قواعدها جلالة الملك المحدث، نحو أردن أقوى، منفذاً الاستحقاق الدستوري للانتخابات النيابية للمجلس العشرون، ومعززاً لجوانب قوة الدولة الأردنية وديمقراطيتها الراسخة، استحقاق كسبت فيه الدولة جولتها، في صونها للارادة الشعبية من خلال انتخابات نزيهة تعزز ثقة المواطن و تكرس دوره الأساسي في المشاركة السياسية كقوة جوهرية للوطن، تجاوز أية حالة تشكك أوتردد، بعكسها للارادة الشعبية التي أفرزتها صناديق الإقتراع على المستوى المحلي والوطني ضمن التجربة الديمقراطية الإنتقالية الأولى نحو الحزبية البرامجية، إبان إرساء منظومة التحديث السياسي.
محطة هامة في التاريخ السياسي الأردني ضمن حقبة جديدة في تطور النظام السياسي الديمقراطي نحو الحزبية البرامجية بالنسبة للدولة كما للاحزاب السياسية سواء أكانت حديثة النشأة أوالموجودة قبلاً، فمما لا شك فيه ان تجلت على الصعيد الحزبي ضرورة إدراك عمق مفهوم القيادة السياسية الشعبية والتزاماتها، فإرادة المواطن الأردني المتعلم الواعي سياسياً، تتطلب جهداً حقيقياً لكسبها، فهو أصلها وجوهرها، وسيخضع بوعيه ومواطنته المسؤولة أداء الاحزاب للتقييم والمسائلة، وسيترجم رأيه في صناديق الاقتراع القادمة. مما يملي على الأحزاب السياسية المعنية ببقاءها على الساحة السياسية، القيام بمراجعات مؤسسية وتنظيمية جوهرية عديدة يكون أساسها العمل المؤسسي بعيداً عن أية حسابات لا مجال لذكرها هنا، كضرورة غير قابلة للتأجيل، مدركين أننا في أول طريق يستحق كل جهد، وكما تبرزضرورة مناقشة وطنية لمقترحات تعديلات جوهرية في قانون الانتخاب 2022 ، لتعزز التنافس والمشاركة وتكريس الإرادة الشعبية.
إن بروز تحدي الهوية الحزبية لدى العديد من القوى الوطنية كناخبين و مرشحين -بشكل يمكن استيعابه في هذه المرحلة كبداية- ويعول على اداء الاحزاب في إقناع الشارع الأردني بجدوى وجودها، فلن يعني المواطن شكل أو نسبة التمثيل الحزبي في لجان البرلمان أو مكتبه الدائم الان، بل ما سيعنيه هو أداء هذه الأحزاب السياسية ودورها في حماية مصالح الدولة العليا وهموم المواطنين ضمن الأطر التشريعية و التفاعل المرن مع السلطة التنفيذية، فالاغلبية الحزبية ستأتي أهميتها في برلمانات قادمة، مع عدم إغفال أهميتها الحالية كمؤشر شعبي و سياسي يبنى عليه، وهذا هو السبيل لإنضاج الثقافة الحزبية بالممارسة الفضلى.
إن في اختلاف الإنتماءات السياسية و نسب تمثيل القوى الوطنية تحت قبة البرلمان قوةٌ كامنة، يجب أن تجمع وتوحد الصف على خدمة مصالح الأردن العليا في مرحلة سياسية تحدياتها وجودية، ففي التعددية السياسية قوة في قبول الآخر والمنافسة الوطنية على البذل و الأداء السياسي الوطني المسؤول من خلال الإشتباك الإيجابي و فن التوافقات وأية تحالفات أو ائتلافات ممكنة تخدم ذلك، على قاعدة ممارسة ديموقراطية وحوار وطني لغته المشتركة مصالح الدولة الاردنية العليا في مرحلة سياسية دقيقة وظروف اقتصادية متراجعة عالمياً، لا تحتمل أي تردد أو تأجيل فهموم المواطن و أولها البطالة وكذلك الصحة والتعليم و تحديات و فرص التغير المناخي والمياه والطاقة والتكنولوجيا والتحول الى دولة الإنتاج والاعتماد على الذات، فرص لم تعد شح الموارد و الإمكانات عائقاً أمامها، بل لدينا فيها ثروة رأس المال البشري، مما يستدعي العمل عليه اليوم قبل غد، فمفاضلة أداء مجلس النواب ضمن الإطار الحزبي والمحلي سيخضع للتقييم والمسائلة الشعبية، أما الحساب فسيكون في صناديق الإقتراع القادمة.
فمن المؤكد بأننا بحاجة الى نمط جديد من الحكومات (السلطة التنفيذية) يضمن التداخل المرن والتشابك الإيجابي مع البرلمان بكافة القوى السياسية المتمثلة فيه لتعظيم خدمة مصالح الدولة الاردنية العليا بشكل يلبي طموح المواطن و حاجاته.
نعم، وسط إقليم ملتهب.. الأردن ينتخب!