صدى الشعب – كتب د. تهاني رفعت بشارات
الطالب الفلسطينيّ يعيش في واقع يتخطّى كلّ ما يمكن تخيّله من تحدّيات دراسيّة أو حياتيّة. إنّه ابن الأرض التي تُطوّقها أسوار الجدار وتخنقها نقاط التفتيش والحواجز العسكريّة، وهو رفيق الدفتر والقلم تحت ضجيج الطائرات وصوت الانفجارات. يُعيد كلّ صباح ترتيب حقائبه، حاملًا كتبه التي لا تعرفها الحدود ولا تخضع لمقاييس الاحتلال؛ كتبه التي تحمل في طيّاتها حكايات وطنٍ مسلوب وتاريخ شعبٍ مقاوم. ومع كل خطوة تخطوها قدماه نحو مدرسته، يلتفت نحو واقعه المأزوم، إذ قد يُواجه قنّاصًا أو دبّابة، أو يعود من منتصف الطريق دون الوصول إلى فصله الدراسيّ.
إنّ الطالب في فلسطين، ورغم كلّ ذلك، يُشكّل نموذجًا نادرًا في التحدّي والصمود. عيونه التي تنظر إلى الأفق أبعد من جدار الفصل العنصريّ، تبحث عن مستقبل يليق بتضحيات شعبه، وأحلامه التي تُحلّق فوق الحدود المُصطنعة ترفض أن تُقيّدها أغلال المحتلّ. فهو لا يحمل فقط دفاتر مليئة بالمعادلات أو القواعد اللغويّة، بل يحمل تاريخًا من الفقدان والصمود، وجغرافيّة تلامس شواطئ البحر وتحتضن سهول الزيتون.
الطالب الفلسطينيّ لا يتعامل مع التعليم كأداةٍ للنجاح الأكاديميّ فحسب، بل هو بالنسبة له وسيلة للحرية، للتمسّك بأرضه وحقوقه. هو يرى في كل درسٍ فرصة لإثبات وجوده، وتحدّي احتلالٍ يسعى بكلّ قوته أن يُغلق أبواب العلم في وجهه. الطالب هنا لا يتعلم الجغرافيا من منظور الحدود التي يرسمها الاحتلال، بل يتعلّمها من أرضه، من حجارة شوارعها، ومن أشجار الزيتون التي تغرس جذورها في عمق التاريخ.
وكما ينسج المعلّم درسه بإبداع مقاوم، فإنّ الطالب الفلسطينيّ يُعيد صياغة يومه الدراسيّ بإرادة صلبة، ترفض الخضوع لأدوات القمع والإغلاق. فحتى في أحلك الظروف، حيث تُهدّم المدارس وتُغلق الجامعات، يبقى هذا الطالب متشبثًا بحقّه في التعليم، محاربًا بعقله وقلبه وجسده ليُكمل رحلته في سبيل مستقبل مشرق لفلسطين، يُضيء فيه فكرُه كلّ الزوايا التي حاول المحتلّ طمسها.
وفي النهاية، تظلّ تجربة الطالب الفلسطينيّ في معركة العلم تحت الحصار، واحدة من أعظم قصص البطولة الإنسانيّة، حيث يُسطرُ بكلماتٍ بسيطة ودموعٍ صامتة ملحمة وطنية تتحدّى القهر والجدران والأسلاك الشائكة. قصة تُكتب بالعرق والدم، وتُقرَأ في صفحات التاريخ القادمة، لتنقش في وجدان كل طالبٍ حُرّ في هذا العالم أنّ الحرية تبدأ دائمًا من صفحة في كتاب، ومن قلب يُصرُّ أن يتعلّم.