صدى الشعب – محمد حسن التل
أشعلت إسرائيل جبهة الضفة الغربية وتشن حربًا على الفلسطينيين في المدن والقرى والمخيمات، في محاولة منها للهروب إلى الأمام من ورطتها في غزة، وتعطيل للجهود الدولية التي تسعى إلى إنهاء الحرب هناك، ولإرسال رسالة إلى من يهمه الأمر في العالم، أنها تخوض حربًاعلى جبهات متعددة ضد “الإرهاب”، محاولة اللعب على الوقت لأسباب عديدة، على رأسها أن قادة إسرائيل يظنون أن باستطاعتهم إطفاء شعلة المقاومة في فلسطين، لكن كلما زاد الضغط على الأرض ازدادت شعلة المقاومة والإصرار عند الفلسطينيين على التحرر، وتحاول إسرائيل شراء الوقت لترى ما ستؤول إليه الانتخابات الأمريكية حتى تعيد تموضعها، وكل ما يقوم به نتنياهو من قتل وتدمير هو نزولا عند رغبة وزرائه المتطرفين عتاولة الإرهاب الذين يرون في الضفة الغربية ما يسمونه ” يهوذا والسامرة” وهي في معتقدهم أهم بكثير حتى من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ويعتبرونها أس الوعد الذي يدعون أنه جاء في توراتهم، لذلك يخطئ من يظن أن الإسرائيليين سيقدمون تنازلات بخصوص الضفة خصوصًا في ظل وجود الحكومة الحالية في تل أبيب ويحاولون بكل الطرق إجبار أهلها على تركها، ويقومون بغرس عشرات المستوطنات على الأرض ناهيك عن البؤر التي تكون في العادة نواة لمستوطنة جديدة على حساب الأراضي الفلسطينية، وإسرائيل لم ولن ترضى بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وأقصى ما يمكن أن تقدمه حكمًا ذاتيًا محدود الصلاحيات ومنقوص السيادة، ذلك أن العقلية الاسرائيلية وبالذات الدينية تعتبر الضفة الغربية درة “دولة إسرائيل” لإعتبارات عديدة على رأسها القدس والحرم، وهذا ما يعقد ويفشل أي محاولة دولية لإنهاء الصراع.
الضفة اليوم مشتعلة وآلة الحرب الإسرائيلية تعيث فيها قتلًا وتدميرًا، وهذا أمر له انعكاسات على الأردن، فكل ما يجري في الضفة الغربية تحرش به لا سيما أن مؤامرة التهجير لا زالت ساكنة في العقل الاسرائيلي إضافة إلى الانتهاكات المستمرة للوصاية الهاشمية على المقدسات.
إسرائيل لم تتوقف يومًا عن التفكير والتخطيط لهذا الأمر الذي يعتبره الأردن إعلان حرب وظلت عينه مفتوحة على ما يجري في الضفة الغربية وصعد من موقفه السياسي إلى الحد الأقصى، لإيقاف ما تفعله اسرائيل هناك، لأن أمن الضفة واستقرارها فيهما مصلحة أردنية نظرًا لتداخل الجغرافيا والناس، ناهيك عن الموقف القومي له عبر كل مراحل الصراع ،وشكل هذا الموقف دائمًا عقبة أمام المشاريع الاسرائيلية سواء في فلسطين أو على مستوى المنطقة، من أجل ذلك يزداد العداء الإسرائيلي للأردن وتزداد الاستفزازات لا سيما في ظل حكومة يقودها ويرأسها إرهابيون لا يعترفون بالآخر ولا يحترمون قوانين ومواثيق دولية أو معاهدات ويستخفون بسفك الدم، في ذات الوقت يدعي الإسرائيليون أنهم يخوضون حربًا ضد الإرهاب وكأن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين هم المعتدون عليهم وهم الذين يقتلوهم، وهذا المنطق محاولة لتزوير معادلة الصراع حيث يريد الإسرائيليون من الفلسطيينين والعالم تجاهل أنهم يحتلون أرض ليست لهم، ومن حق أصحاب الأرض أن يقاوموا الاحتلال بكل الطرق والوسائل المتاحة.
ما يجري في فلسطين صراع بين أصحاب الحق والمعتدين وأن أس الصراع في المنطقة هو الاحتلال كما يصر الأردن، وإسرائيل تتحمل كامل المسؤولية بهذا الصراع، ومن غير المعقول أنه لا زال في العالم من يتبنى المنطق المغلوط والمشبوه بأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها!!
كل هذه التعقيدات في الصراع يجعل الأردن على تماس مباشر مع ما يجري في فلسطين وبالذات الضفة الغربية، لذلك فإنه يستنفر كل إمكانياته السياسية لإيقاف المد الإسرائيلي الأسود ومحاصرته حتى لا يفقد الصراع معناه الحقيقي ومنعه من تصدير الفوضى له..
نقل الصراع إلى الحدود الأردنية هو تهديد للأمن الوطني الأردني..فهل لا زال بيننا من يدعي أن ما يحدث في فلسطين لا علاقة لنا فيه؟!