صدى الشعب – كتب د. صبري ربيحات
محمد خير مامسر شخصية يصعب ان تصادف مثلها حتى ولو تعمدت البحث وتجولت في اسيا وأوروبا والبلقان فهو انسان طيب رقيق متطرف في جديته ومثابرته يعبر عن شعوره بعفوية وتشعر بانه قريب منك رغم تجهمه وجدية ملامحه..
في مطلع السبعينيات كان دخول الجامعة الاردنية حلما يراود كل شاب وشابة وكان حرمها نظيفا وغنيا ومؤنسا كانت معظم المباني حديثة وقسمت بشكل ملفت فالكليات العلمية في الجنوب والاخرى الى الشمال ومكتبتها مقامة على مقربة من البوابة وقد زينت جدرانها برخام عنابي اللون وللكتب فيها رائحة لا تحب ان تفارقك.. في كل مرة تدخلها يملؤ صدرك الزهو.
وانت على بوابتها تشعر بمهابة الفضاء يأسرك النظر الى المشاعل التي تزين بوابتها فتحسبها قبابا.. وتعجبك ازياء الحرس فتلتفت الى سمرتهم ويقظتهم.
كنا نرى الثراء العماني في ملابس الصبايا وسيارات بعض الاساتذة والطلاب الميسورين. وكنا نتأمل وجوه الأساتذة الشباب الذين عادوا للتو من جامعات امريكيا وفرنسا وإنجلترا والمانيا. كنا نحن القادمون من القرى نذهب في رحلة استكشاف داخل مباني الكليات لتفحص اوجه الطلبة والطالبات وقراءة الأسماء المثبتة على أبواب مكاتب الأساتذة علنا نعرف بعضها.
كانت الأسماء غريبة علينا فهي لا تشبه اسماء عائلاتنا التي غالبا ما تنتهي بـ الف والتاء. كانت بعض هذه الملاحظات تشغلنا كما تشغلنا فكرة ان الدكتور الفلاني متزوج من الدكتورة الفلانية وحجم ومدى الجرأة عند البعض ممن يدخلون الصفوف يحملون أقدام القهوة الامريكية التي اعدوها في مكاتبهم او ان يستهل المحاضرة بموعظة سلوكية لا علاقة مباشرة لها بموضوع الدرس..
في تلك الأيام كان الدكتور عبدالرحمن عدس عميدا لشؤون الطلبة وغازي المفتي مسجلا عاما وكان محمد خير مامسر مديرا للانشطة الطلابية وكانت صالات الرياضة تعج بالانشطة التي لم نكن نحن ابناء الارياف معنيون بها. كنا ندرس ونتسكع ونتبادل ملاحظاتنا في هذا العالم الجديد.
لقد كان زهير النوباني وأشرف اباظة وعيسى سويدان وبنايوت حوش يمضون جل وقتهم في اعداد البروفات لنشاطهم المسرحي وكان زياد الكردي ومعاذ منهمكان في تدريبات تنس الطاولة.. وكان عبدالقادر حطاب مثار اعجابنا ونحن نتابع حركته الدؤوبة وهو يتنقل بين مكاتب تسجيل الكليات وينادي باعلى صوته وكأنه يتدرب على مناداة اسماء الخريجين التي كان يتقنها كما لا يتقنها غيره.
نعم كان الاستاذ محمد خير مامسر حينها حاضرا أينما نظرت تتبدى عليه الجدية والحرص والمتابعة كان مشغولا بكل شيء واظن انه كان يتابع دراساته العليا وهو يؤدي ادواره العملية.. كان ابو نارت انيقا واثقا وموثوقا يمنحك الانطباع بأن كل النشاطات تسير على خطة وضعت بعناية كبيرة.
كنا نرى ابناء الميسورين يجلسون على الأدراج المجاورة لعمادة شؤون الطلبة ونذهب نحن الريفيون والبدو للجلوس على المسطحات لنلتقط عشرات الصور التي تفرغ عدد من المصورين لالتقاط لحظات دهشتنا وبيعها علينا لكي لا ننس اننا كنا هناك.
مرت السنين وتخرجنا من الجامعة وتحصل الرجل الوسيم المتجهم الواثق على الدكتوراة ليصبح أستاذا وعميدا لكلية التربية الرياضية وليلتحق بعدها في جامعة مؤتة نائبا للرئيس فرئيسا لها..
في كل محطة من هذه المحطات كان محمد خير مامسر رجلا مخلصا محبا للعمل يقدم المصلحة العامة على الخاصة ويعمل من اجل المؤسسة ليخدمها لا لتخدمه.
في نهاية التسعينيات اصبح الدكتور مامسر وزيرا للتنمية الاجتماعية وقد عملنا بمعيته في بعض اللجان التي شكلها لتطوير العمل. لقد حاول بصدق أن ينظم العمل الاجتماعي التطوعي والقطاع الخيري وبذل جهدا مضاعفا ليترك أثرا على المكان وعلى الزملاء الذين عملوا بمعيته.
مع بدايات الألفية الثالثة كرس الاستاذ الدكتور محمد خير مامسر جل جهده لإعداد الموسوعة الشاملة عن الشركس والثقافة الشركسية وقد زارني ابان عملي كوزير للثقافة ٢٠٠٩ وقدمت الوزارة له الدعم اللازم لاتمام هذا المشروع الثقافي الهام.
لقد نجح في اتمام هذا المشروع البحثي التوثيقي الذي احاط بالكثير من جوانب تاريخ وثقافة الشراكسة واقيم احتفال كبير بمناسبة اطلاق الموسوعة التي احتفظ بنسخة منها.
هذا وبالرغم من قلة التواصل إلا أن لمحمد خير مامسر في قلبي الكثير من الحب والتقدير والاحترام فقد كان إنسانا مثابرا صادقا جادا يحب الوطن ويحرص على رفعته ونمائه..
الرحمة لروحك ايها الراحل والعزاء الطيب لكل الاهل والأخوة والاصدقاء الشركس وإلى ابناء الاردن عموما ولنا وإنا لله وإنا اليه راجعون.