صدى الشعب – كتبت د. تهاني رفعت بشارات
في مدينة جنين، التي تسطر حكايات الأبطال بدماء شهدائها، ارتقى الشهيد العريس فاروق سلامة قبل عرسه بيوم، مستشهداً بيد الغدر، حيث اقتحمت قوات خاصة المدينة. رأيت فيديو مؤثراً لوالدته وهي تردد بصوت مفعم بالألم والفخر: “عريسنا حلو.. لا تقولوا عنه أسمر”. بهذه الكلمات، وبلسانها الذي نسجت منه أهازيج فلسطينية تراثية، زفّت “أم فادي” ابنها الشهيد “العريس” فاروق سلامة، ابن مخيم جنين، مستبقة موعد حفل زواجه الرسمي.
كانت الأم تتكئ على ذراعي أولادها، تجوب أروقة مشفى جنين الحكومي الذي نقل إليه الشهيد فاروق. راحت تتساءل وهي تتحدى الألم: “وين العريس؟ الحمد لله يما (يا أمي)، الحور العين يا فاروق، مستحيل فاروق يموت، فاروق راجع”. في مشهدٍ أبكى الجميع، أخبرت شهيدها والناس من حولها، عاكسةً صدمتها العميقة بفقدانه، أنها جهزت بدلة زفافه وكوتها بيديها، ونظفت حذاء الشهيد العريس، وأعدت الحلوى للتوزيع. كان الجميع يستعد للفرح، الذي انقلب إلى ترحٍ وحزن، وتحولت الذبائح التي كانت مخصصة للاحتفال إلى طعامٍ تناوله الحاضرون عن روح الشهيد العريس.
تذكرني قصة الشهيد العريس فاروق سلامة بقصة الصحابي الجليل جليبيب رضي الله عنه، الذي استشهد يوم عرسه وبكى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. جليبيب، الذي توفي ليلة زفافه، كان صحابياً غير معروفٍ بسبب فقره وحاله المتواضعة، لكنه كان غنياً بالإيمان وحسن الخلق. أحبه النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، وتوفي بإرادة الله عز وجل في ليلة زفافه، ما جعل النبي يبكي عليه ويدعو له بالرحمة والمغفرة. وفي وقت دفنه، تنافست الحور العين على من ستتزوج جليبيب في الجنة، في لقطةٍ مؤثرة أمام الصحابة.
تعلمنا قصة جليبيب رضي الله عنه والشهيد فاروق سلامه العديد من العبر والدروس. تذكرنا بأن الإيمان والتقوى هما الثروة الحقيقية التي يجب أن نسعى إليها في حياتنا، وأن الله يعطي المكانة العالية في الجنة لمن يتحلى بهما،وأيضا نستمد القوة والعزيمة لنسعى إلى تحقيق الإيمان والتقوى في حياتنا.
لقد كان لي الشرف أن أدرس ابنة أخت الشهيد، وهي طالبة في الصف العاشر، قمة الأدب والأخلاق والتميز. سألتها ذات مرة عن الشهيد، فرأيت في عينيها دموع الحُسرة والحزن والفخر بخالها. قالت لي إنه كان حنونا جدا وطيب القلب، يحب الجميع والجميع يحبه. كان حديثها عنه كأنه بريق من الأمل في وسط الظلام، يروي حكاية رجل عاش بطلاً ومات بطلاً.
رحمك الله يا عريس الجنة، يا فاروق سلامة، ستظل ذكراك خالدة في قلوبنا، تروي لنا حكاية الأبطال الذين لم يخافوا الموت، بل كانوا يسيرون نحوه بشجاعة وإيمان. ستبقى روحك الطاهرة تلهمنا، وتذكرنا بأن الشهادة هي أسمى معاني الحياة، وأن الأبطال لا يموتون، بل يخلدون في ذاكرة الوطن وفي قلوبنا إلى الأبد.