صدى الشعب – محمد حسن التل
أصرت إسرائيل على أن تكون كل المفاوضات التي جرت منذ بداية حربها على غزة أن تجري تحت النار، وتصر الآن في ظل المفاوضات الجارية في الدوحة والقاهرة أن تجري هذه المفاوضات وحرب الإبادة على الفلسطينيين في غزة التي تشنها عليهم بالقتل والتشريد مستمرة ، في محاولة من نتنياهو لإفشال هذه المفاوضات لاستكمال مشروعه في إنهاء المقاومة الفلسطينية وربما كل الشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى الحفاظ على وجوده كرئيس للحكومة الإسرائيلية وصاحب القرار الأول في إسرائيل، لأنه يدرك أن إنهاء الحرب معناه أنه سينتهي سياسيا وسيكون مصيره السجن، لذلك يحاول بكل السبل البقاء على استمرار الحرب، ويسعى إلى تحويلها إلى حرب على مستوى المنطقة وتوريط العالم بصدام واسع لا يريده.
إسرائيل لا زالت تتلقى دعمًا كبيرًا حتى من أولئك الذين يدعون أنهم يسعون لإنهاء الحرب، وهذا يؤكد على ازدواجية المعايير التي لا زالت تتحكم بمواقف كثيرة من الدول، والفلسطينيون سواء في غزة أو الضفة الغربية يدفعون أثمانًا باهظة على مستوى الحياة والأرواح، بسبب هذه الازدواجية التي تشجع إسرائيل على استهدافهم على مدار الساعة، متجاهلة المفاوضات الجارية الآن لإنهاء المذبحة المستمرة ما يقارب العام.
يدرك القادة الإسرائيليون خصوصا على المستوى العسكري أن الحرب في غزة عبثية ولم ولن تحقق لإسرائيل أي انتصار حتى اليوم، وأنها باتت طريقا لقتل الفلسطينيين فقط، وأصبح واضحًا أن نتنياهو ومن معه يمارسون هوايتهم بارتكاب المذابح لذاتها، ولا يهتمون أن المنطقة تقترب أكثر من حرب شاملة سيدفع الجميع ثمنها، ولا يكترثون أيضا بالخسائر الفادحة التي يتلقاها الجيش الإسرائيلي في الحرب ،ويرى الإرهابيون الذين يقودون الحكومة مع نتنياهو أن ما يجري يمثل لهم فرصة سانحة لتنفيذ أهدافهم ومخططاتهم في إبادة الشعب الفلسطيني ودفعه لمغادرة أرضه وإسقاط كل حقوقه في التحرر، اللافت في كل المفاوضات التي جرت وتجري أنها تخلو في حديث بعض الأطراف من الجدية إزاء إنهاء الحرب بالكامل وردع إسرائيل، وأن معظم التصريحات تركز فقط على إعادة الرهائن الإسرائيليين الموجودين لدى حماس، وحتى الحديث عن عملية إطلاق الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال لا يكاد يذكر، ناهيك عن إغفال إعادة الإعمار في غزة.
نتنياهو لا زال يضع العراقيل على طريق المفاوضات حتى يفشل أي مسعى بغية الاستمرار في حربه إلى ما لا نهاية، لتحقيق أهداف لديه، باتت معروفة لكل العالم، ومع هذا لا زالت الدول صاحبة القرار لا تضغط على إسرائيل كما يجب لإيقاف الحرب، وهي التي تعتمد عليها إسرائيل في استمرارها في اعتداءاتها، فهي لو توقف عنها الدعم العسكري والسياسي على مستوى العالم لتوقفت الحرب منذ شهرها الأول، لكن التناقض بالحديث عن ضرورة إنهاء الحرب لا يتوافق تماما مع ما يجري في غزة، فالدعم لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين مستمرًا منذ اليوم الأول، الأمر الذي يشجع نتنياهو الإصرار على الحرب التي يدفع الفلسطينيون فيها أثمانا كبيرة جراء القتل المتعمد والتدمير والتشريد الممنهج، فأي عالم متحضر يقبل بما يجري من أهوال لم يعرفها تاريخ الحروب في استهداف البشر والحجر، ومتى ستقتنع الدول الداعمة لإسرائيل أن ما يجري في غزة هدفه فقط الحياة بكل عناوينها.
لن تستطع إسرائيل القضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني مهما قتلت ففكرة التحرر منغرسة في عقل الفلسطينيين على امتداد كل الأجيال الفلسطينية الموجودة الآن والقادمة، فالصدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستمر منذ قرن كامل، إذا اعتبرنا أن الفلسطينيين يقاومون المشروع الصهيوني حتى قبل قيام إسرائيل، ولا زالوا يقاومون، وسيظلون على هذه الطريق حتى تتحقق أهدافهم في التحرر من قيود الاحتلال.
اللافت أيضا فيما يجري في فلسطين أن إسرائيل لو واجهت الفلسطينيين لوحدها لما صمدت كل هذا الزمن لولا الدعم المفتوح لها من دول كثيرة في العالم، ففي كل مواجهة بين الطرفين يستنفر مع إسرائيل على مستوى العالم دول كثيرة بكل إمكانياتها للدفاع عنها والحفاظ على وجودها، ولم يعد مفهومًا الإصرار على هذا في زمن لم تعد إسرائيل تعيش في منطقة معادية كما تدعي، فكثير من دول المنطقة رضيت بوجودها وفتحت الأبواب للتعامل معها حتى تجاوز البعض الحقوق الفلسطينية، فالحجة الغربية سقطت بلزوم حماية إسرائيل كما تدعي من الغرق في بحر من العداء، وإسرائيل منذ قيامها وهي تدعي أنها تريد السلام مع دول وشعوب المنطقة، وعندما دار الزمن وتحقق قبولها انكشفت أنها هي التي لا تريد سلامًا مع أحد وانها تعمل مصرة على أن يكون المحيط تحت سيادتها وقرارها بالقوة والقهر.
المفاوضات التي جرت في الماضي وتجري الآن تثبت أن هذا الكيان لا يريد سلامًا وغير مقتنع به أصلًا ودعوته للسلام محض كذب وافتراء..
الحرب اليوم كشفت كم هي إسرائيل هشة وضعيفة وتشهد انقسامات أفقية وطولية ولولا الدعم الذي تتلقاه انتهت منذ زمن طويل..
رغم أن التصريحات المتسربة من أجواء المفاوضات الجارية متفائلة إلا ان نتياهو سينجح بإفشالها لذلك يصر على أن تجري تحت القتل والنار ..فهل الأطراف المنغمسة في محاولة فك الإشتباك سترضى بهذا ،أم سيكون للدول الفاعلة رأيا آخرا؟!..