صدى الشعب – كتب سلامة الدرعاوي
من يصدق أن موقع وزارة المالية لغاية يومنا هذا لا يتضمن أي أرقام محدثة إطلاقا؟ آخر نشرة مالية أصدرتها الوزارة كانت في شهر شباط الماضي، والتي تتحدث عن أرقام موازنة الشهر الأول (كانون الثاني) من هذا العام.
أي أنه ورغم انقضاء النصف الأول من العام، فإن وزارة المالية لم تقم بنشر أي رقم بعد أرقام الشهر الأول من هذا العام، وهذا أمر غير طبيعي إطلاقا!
لا يوجد أي تفسير لتراجع وزارة المالية عن نشر أرقامها في النشرة الشهرية التي تنشرها منذ أكثر من 20 عامًا سوى أنها تريد إخفاء أرقام التراجع إن حدثت في العديد من المؤشرات المالية في الموازنة خلال الأشهر الماضية.
لا يمكن قبول أي أعذار لعدم نشر أرقام النشرة المالية الشهرية، حتى لو كانت الأعذار إلكترونية، لأنه ليس من المنطق ألا يتم معالجة المشاكل الإلكترونية خلال ستة أشهر. وإن كان ذلك حقًا، وحدث فعلًا وهو أمر مستبعد للغاية، فإن المنطق يقتضي أن تتم نشر الأرقام بالطرق التقليدية أو من خلال البيانات والتقارير الصحفية كما يفعل البنك المركزي ودائرة الإحصاءات العامة.
حقيقة أن هذا السلوك الذي تتبعه وزارة المالية في إخفاء المعلومات أمر خطير للغاية، ويبعث رسائل غير مطمئنة لجميع الجهات الداخلية والخارجية على حد سواء.
وزارة المالية بهذا السلوك “الجاهل”، تضع نفسها في خانة الاتهامات المنطقية بأنها تخفي كوارث رقمية لا تريد إظهارها للرأي العام، وهي بذلك تُرحّل مشاكل للحكومة المقبلة، وتبتعد بذلك عن أي قواعد إدارية تتسم بالحوكمة والإدارة الرشيدة والشفافية.
عدم نشر البيانات المالية بانتظام ينشر عدم الشفافية والمصداقية، مما قد يثير الشكوك والقلق بين المستثمرين والمتعاملين، والجمهور العام، كما يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في السوق المالي وتدهور سمعة الحكومة أو الوزارة.
تأخير إصدار النشرة الشهرية يحرم المستثمرين والمتعاملين من معلومات حديثة ومهمة تساعدهم على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بشكل صحيح، كما يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في تقديرات السوق، ويخلق عدم يقين، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلبًا على أداء الاقتصاد المحلي، ويثير التساؤلات حول استقرار الأوضاع المالية.
بشكل عام، يُفضل أن تلتزم الوزارة بتقديم البيانات المالية بانتظام، وفي الوقت المحدد لضمان التواصل الفعال مع الجمهور والمستثمرين وتعزيز الشفافية والاستقرار في السوق المالي. ولا يمكن في هذا العصر أن تخفي الحكومة أي أرقام، فكل المؤشرات مكشوفة، وعلى الوزارة أن تتأكد أن الجميع يعلم بتراجع الإيرادات العامة في الخزينة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بأكثر من 400 مليون دينار، إلا إذا كانت الوزارة عندها مفاجأة للأردنيين وستعلن أرقاما تبشر بحالة جديدة في الاقتصاد.
للعلم، صدور النشرة المالية في الوزارة قبل أكثر من 20 عاما جاء ضمن سياسات الإفصاح والشفافية التي طلبها صندوق النقد الدولي من الحكومة سنة 1998 عقب أزمة أرقام النمو التي ظهرت حينها بين الأردن والصندوق، والتي جعلت الحكومة وقتها تقدم اعتذارا رسميا للصندوق والبنك الدوليين عن الأخطاء التي ارتكبت من قبلها في هذا الأمر، والتي كادت أن تنسف العلاقة والبرامج الهيكلية بين الجانبين.