سادت حالة من الصدمة والذهول بعد إعلان السلطات الإيرانية عن هبوط اضطراري وصعب لطائرة الرئيس بسبب ظروف واجهتها تلتها ساعات من الصمت، طال الوقت ولم يظهر الرئيس ومرافقوه المهمون وأبرزهم وزير خارجيته حسين عبد اللهيان رافق ذلك تضارب شديد في الأنباء، وفي الأثناء تعلن الجهات الرسمية عن أعداد كبيرة من فرق الإنقاذ تبحث عن الرئيس بدون جدوى، بعد 13 ساعة طلبت ايران المساعدة من دول عديدة للبحث عن الرئيس المفقود والذي باتت الأنباء تتوارد عن أنه أصبح فقيداً، في النهاية انبلج فجر الإشاعات عن طائرة محطمة لم يبق منها إلا ذيلها، وجثث بالكاد تم التعرف عليها.
في الحال بدأت التأويلات وتراوحت بين ثلاثة سيناريوهات، تبتدي من الحادث بسبب الطقس وهذا يحمل في طياته الكثير من التأنيبات لضعف الإعداد لرحلة ثاني أكبر مسؤول في الجمهورية، وتمر التأويلات إلى التصفية الداخلية وهذا ليس مستبعداً في دولة مثل إيران طالما زخرت بمثل هذا النوع من الحوادث لكن ما يضعف هذا الاحتمال ووفقاً لتقارير رويترز أن السبب الرئيسي الممكن لمحاولة قتله هو خلافته للمرشد، وهذا الاحتمال غير وارد بسبب إقصائه من قائمة الخلفاء المحتملين للمرشد قبل 6 أشهر من قبل مجلس الخبراء وكان ذلك بسبب التراجع الشديد في شعبيته وهو الأمر الذي أثار المخاوف على النظام في حال تسلمه موقع المرشد، أما السيناريو الثالث والذي يعتبره الكثير من الخبراء بأنه الأهم وهو عمل قامت به جهة ما ضد الرئيس، وتوجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل التي وعد رئيس وزرائها بقتل كل من ساهم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل وطبعاً أولهم سيكون الرئيس الإيراني، وإن ثبت هذا الأمر فإنه سيكون من أسوأ الردود غير القانونية على مدى وتاريخ الصراعات الدولية لأنه يخترق ويتجاوز كل القوانين الدولية.
طبعاً حسم كل تلك الخيارات أو بالأحرى الألغاز لن تحله إلا لجنة فنية متخصصة وهذه غير موجودة في ايران وهي لن تسمح باستدعائها لأنها باختصار لا تريد ان تواجه الحقيقة كما هي لأن ذلك يتطلب منها رداً وثأراً، ولأن ثمن ذلك سيكون كبيرا في الاحتمالات الثلاثة المذكورة، فالأول سيعني فشل المؤسسات الرسمية في حماية الرئيس، والثاني سيعني أن إيران منقسمة داخلياً لدرجة اغتيال الرئيس والثالث سيثبت ان ايران مخترقة على اعلى مستوى وبالتالي سيكون ذلك بمثابة النقطة الكاشفة على ضعف النظام، بالتالي لم يبق على إيران سوى الأحوال الجوية، وفي خضم ذلك تحاول أن تؤكد للعالم سلاسة نظامها السياسي وقدرتها على تجاوز المحن لتثبت متانة مؤسساتها وكفاءتها، فكانت الجنازة مناسبة مهمة لذلك أبرزت من خلالها حضور إيران على المستوى الإقليمي والدولي وكان ذلك من خلال الوفود التي حضرت للتعزية، ومثل ذلك ارادت ايران ان تطمئن اصدقاءها وأعداءها أنها ماضية في سياستها السابقة من خلال الاستمرارية وذلك بتسليم نائب كل منصب موقع المسؤولية.
برغم أن رئيسي جاء بانتخابات تميزت بإقبال ضعيف ورغم انه قاد بيد من حديد القضاء على ربيع مهسا أميني عندما طبق قانون الحجاب بحذافيره ورغم تراجع الاقتصاد الإيراني، وبرغم أنه منفذ لسياسات المرشد وأن السياسة الخارجية هي حكر على الحرس الثوري، إلا أنه نجح في تحقيق بعض الاختراقات على صعيد العلاقات الإيرانية العربية وساعده في ذلك وزير خارجيته الذكي حسين أمير عبداللهيان والذي رافقه في رحلة غيابهما الأخيرة، ومثل ذلك نجح في تجاوز أزمة في العلاقات الإيرانية الباكستانية بعد الضربة المتبادلة بينهما، ومن الواضح انه كان متجهاً لتبريد العلاقات مع أذربيجان واللقاء الأخير مع الرئيس الأذربيجاني كان بمثابة تحول مهم في العلاقات مع هذه الجارة اللدودة، وهذا ما طرح السؤال حول استمرارية محاولات الانفتاح، وبالتالي فإن تعيين نائبي الغائبين وإن كانت دستورية إلا أنها تعطي الانطباع برغبة المرشد ودائرته بالاستمرار بهذه السياسة بالذات بعد احتواء تفجر الوضع مع اسرائيل، وفي الطرف الآخر أكد اجتماع قائد فيلق القدس مع الفصائل الموالية لإيران في المنطقة على استمرار إيران في سياسة الأذرع، كل هذه المعطيات تؤكد أن عصر التحول الكبير في سياسة ايران لم يحن بعد ويبدو أنه لن يحدث في ظل هذا المرشد أو ربما هذا النظام.
بالتالي فإن بناء الآمال على تحولات جذرية يمكنها ان تغير هذا السلوك المزدوج لإيران بعيد المنال ويبدو ان استنزاف المنطقة بين الكلام المعسول من جهة وأنهار الدماء من جهة أخرى ما يزال هو الثابت الأصيل حتى الآن على الأقل.