ماجد توبه
وجبة دسمة من المعلومات والتحليل قدمها وزير الداخلية مازن الفراية مساء السبت في صالون السبت الثقافي بامانة عمان الكبرى، حول الاوضاع الامنية وحرب المخدرات في الشمال وتداعيات العدوان الاسرائيلي على غزة والضفة الغربية المحتلة، اضافة لقضايا اخرى مهمة.
الوزير الهاديء والمنظم بافكاره وتحليله، والذي يقود وزارة سيادية مهمة، تحدث بكل عفوية ومهنية ولم يتحفظ على اجابة اي سؤال من صف واسع من الكتاب والصحفيين، ولا نبالغ بالقول ان حديثه شكل مادة دسمة للصحفيين والكتاب للتحليل والاطلاع على صورة الموقف الرسمي الاردني من هذه القضايا الامنية الحساسة والجدلية، والتي – للاسف- يُشرِّق ويُغرِّب فيها الكثيرون عند تناولها.
البعض من الزملاء المحترمين اخذوا على الوزير ما اسموه “دبلوماسيته الزائدة” في بعض الاجابات الحساسة، واعتقد انهم ظلموه بهذا الحكم فهو اجاب بكل شفافية وان لم يذكر اسماء بعض الدول التي كان يبحث عنها صحفيون لتخرج من لسان الوزير بالوقوف وراء تدفق المخدرات للاردن، لكنهم ربما سهوا عن ان الفراية كان واضحا بمطالبته ومطالبة الدولة الاردنية للدول المقصودة ببذل جهود اكبر للسيطرة على حدودها مع المملكة والتي تشهد انفلاتا واضحا سمح للميلشيات المحسوبة على دول وايضا للجماعات الارهابية المختلفة غير المحسوبة على تلك الدول لتنشيط حركة التهريب بحثا عن مصادر تمويل لها ولـ “اهداف اخرى” حسب وصف الوزير.
الوزير كان واضحا في ان تفعيل الاتصالات المباشرة مع العراق وسوريا وغيرها وتبادل المعلومات الاستخبارية خلال الستة اشهر الماضية كان مرضيا للاردن الى حد كبير، وسمح بالحد من عمليات التهريب والقضاء على بعض اوكارها، ولفت في هذا السياق الى ان الحدود مع العراق باتت مضبوطة الى حد كبير بالتعاون مع العراق، ولم تسجل محاولة تهريب مخدرات سوى مرة واحدة خلال عام مضى، فيما اشار الى ان حالة الفوضى وانفلات الامن في بعض مناطق سورية هو ما يصعب القضاء نهائيا على هذا الخطر، لكن ثمة تعاون وتبادل معلومات يلمسه الاردن في هذا المجال.
بعض الصحفيين ارادوا ان يسمعوا اتهاما مباشرا لايران والنظام السوري بالوقوف وراء تدفق المخدرات للاردن ومنه الى دول الخليج العربي، دون مراعاة لما يملكه الوزير من معلومات او تقديرات تخص الدولة الاردنية وسياستها، فوضع هذا الامر في سياق ان القضية تقصير اكثر منها نية مبيتة وجهود منظمة للدولتين كما فهم من حديث الوزير.
القضية الثانية، التي توقف عندها البعض هي في اجابة الوزير على سؤال حول ان كان الاردن لمس اثارا للتهجير الناعم من الضفة الغربية الى الاردن، في سياق الحديث عن العدوان الاسرائيلي على غزة والضفة ومخططات التهجير. الوزير كان واضحا ودقيقا ومهنيا عندما قال “اننا لم نلحظ اي تهجير ناعم حتى الان من الضفة، وما يدل على ذلك هو احصاءات الجسور ومقارنتها بالوضع الطبيعي”.
لكن الوزير لم يستبعد بقاء خطر هذا السيناريو من قبل اسرائيل سواء في غزة او الضفة، التي يعربد فيها المستوطنون وجيش الاحتلال. وجدد تاكيد الدولة الاردنية ان “التهجير للفلسطينيين يعتبر خطا احمرا ومرفوضا لن نسمح به”.
ثالثة القضايا المهمة التي تحدث فيها وزير الداخلية بكل مهنية ومسؤولية، هي التحدي الامني الذي فرضته الاحتجاجات والمسيرات الشعبية المناصرة لغزة بوجه الابادة. ربما اجابة الوزير لم تعجب البعض وللاسف، عندما بين ان اغلب هذه المسيرات والاحتجاجات ومن الشمال الى الجنوب كانت طبيعية ولم تشكل تحديا امنيا، بل وتماهمت مع موقف الاردن ضد العدوان منذ اول لحظة. وتحدث عن حرص الاجهزة الامنية على تنظيم هذه المسيرات بما يتفق مع القانون والحفاظ على المشاركين بها، وحتى شعارات وهتافات هذه الاحتجاجات كانت باغلبها طبيعية وغير مخالفة للقانون.
لكن الفراية شدد على ان ذلك لم يمنع البعض من المشاركين ببعض الاحتجاجات من تجاوز القانون سواء في الشعارات والهتافات او التعدي على القانون ورجال الامن، فتم التصدي لهم بالقانون والضبط والاحالة الى المدعي العام او الحاكم الاداري.
ما لم يقله الفراية في هذا السياق، ان المسيرات والاحتجاجات الشعبية في الاردن وفي غيره من دول تشهد احيانا خروجا عن القانون من قبل البعض وتحدث اساءات مرفوضة توجه لرجال الامن العام او للدولة، ويكفي ان نشير الى ان بعض الاحتجاجات السابقة في الاردن حملت عنفا وشغبا واساءات وخرقا للقانون في قضايا مطلبية او حتى غير قانونية كالدفاع عن مطلوبين ومهربين او دفاعا عن التعدي على املاك الدولة.. مثل تلك الاساءات والشغب والمخالفات القانونية ربما لم نر مثلها واحدا بالمائة الف في مسيرات واحتجاجات العدوان على غزة!