كان من الممكن ان تنتهي محنة غزة، لو مضى نتنياهو باغتيال جسور من يهودي عاقل فيتوقف بمقتله جنونه.. او ان تجتاح قديفة صهيونية حاقدة معقل (السينوار) الحصين، فيتوقف جنون وحقد نتنياهو باختفاء من اذله واخرجه من اسطورة (الجيش الرادع والجيش الرابع) وصار انتماؤه الى جيش مضطرب خانع!!
او ان تتغير قاعدة المد والتحريك والتحالف لحماس وحزب الله والحوثي، فيلتقط الشرق الاوسط انفاسه ليبدأ من جديد!
(الاغتيالات) او (الاختفاءات) المفاجئة بالشرق الاوسط كانت دوما دون غيرها من تصنع اقدار البشر في هذا المكان (متحف العالم الروحاني)…
اغتيل النقراشي باشا؛ فكان ذلك ايذانا برحيل (فاروق عن مصر) واغتيل الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، في لحظة كان بقاؤه ضرورة
لاعادة سوريا الى مشروع النهضة العربية بقيادة الهاشميين.. ولو لم يغب عبدالله الاول الملك النبيل لترك لنا بلاد الشام موحدة في وجه المد الصهيوني ولم نسمع (بعرفات ولا مشاريع اوسلو)
لو لم يمض (اسحق رابين) ١٩٩٥م برصاصتين واحدة ملأ حقد (كحلها) نتنياهو، وشارون.. والثانية (كل اليمين الصهيوني المجنون) لكان الشرق الاوسط اكثر حكمة واقل جنونا!!
لو لم يشنق صدام حسين في ليل طويل من الدس والخداع من اهل الدس والخداع، لما كان يهوديا يُرى يتبختر في ظل ركام غزة…
في المواجهة الاخيرة والتي لم تزل اصداؤها تصم الاذان وتجرح الارواح في (مذبحة غزة)… فإن حقائق مرموقة اوجدتها محنة غزة
اولا: أن الجنون الصهيوني المتطرف بيمينيته يلقط انفاسه الاخيرة، وشاء نتنياهو ام ابى فان مشروع الكيان الذي تسلم زمام امره قبل ما يزيد عن العقد من السنين، (اسرائيل) قد دمره ومسخ صورته وسيتركه قاعا صفصفا ليس كثيرا الفوارق بينه وبين غزة.. لقد دفع اليمين الصهيوني هذا الكيان الى حافة الانتهاء، لولا المدد العفن وغير المقدس للثلاثي البغيض (امريكا وبريطانيا والمانيا)
ثانيا : إن حركة حماس حركة تحرير وطنية في ازار ديني، كانت اول حركة فلسطينية سياسية تصنع بقوة الفعل وليس ردة فعل ضربة مهينة موجعة للكيان الذي اغتصب كل فلسطين ليس لبطولة منه فتفوق على عرب فلسطين وانما لان العالم (الانحليكاني البريتاني) قد وقف بضراوة وبتعصب للدين اعمى مع صهيونية المعركة ضد بشر متحضرين يعيشون في قراهم ومدنهم بسلام امنين حين تم اجتثاثهم بصورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية.. وفي الوقت الذي اثبتت به (حماس) سموها في التخطيط والتنفيذ العملياتي حد المعجزة فان السياسة اعجزتها، وبرهنت على ان هؤلاء المشايخ الموقرين، ليس لديهم اية دراية في انتزاع المكاسب السياسية تأسيسا على نجاحهم في الميدان!!
وان الحق يجب ان يقال، إن (السلطة الوطنية الفلسطينية تقف عاجزة دون قدرة لانقاذ حماس بطرحها اية مبادرات سوى ادانة حماس والنيل منها في الخطابات)
ثالثا : إن ايران كانت هي صانعة التحريك في الشرق الاوسط، ولقد تمكنت من موقفها المتقدم الداعم لحماس وحزب الله حصريا من الغاء الدور الامريكي والصهيوني، وتحييد كل أمة العرب وتصير اللعبة (اشتباك بواسطة وجس نبض القوة بين تل ابيب / وطهران) ولما تجرأت الصهيونية بقصف دمشق عبر بوابة قنصلية (ركبت ايران الشرق الاوسط بمسيراتها وصواريخها التحذيرية طبعا) والزمت الشرق الاوسط كله ردة فعل وحسب!!
الغريب في هذا الحدث ان الجماهير العربية قد وقفت مساندة لازيز مسيرات طهران ضد اي منطق ودون معرفة مدى التفاوض في السماء بين الامريكان وايران!
في ظني واحببت ان اظل على زعمي من أن تأييد الناس لحركة ايران كان عتبا حقيقيا على الانظمة العربية التي اخرجت نفسها من هذا الجو المحموم الذي يرسم فيه الشرق الاوسط من جديد.. والحق ان أمة العرب كانت ولم تزل قادرة ان تكون فوق قرار ايران وفوق جنون الصهيونية الاسرائيلية الجديدة !!
اليوم حماس لم تزل في انفاقها لا تستطيع الخروج لتنفس نسمة هواء مريحة!! واسرائيل بكل غطرستها التقطها (الضيف والسنوار) لأعلى شجرة الشرق الاوسط الباسقة وكل اليمين فيها لم يستطع النزول بعد كل هذا الجنون الامريكي الاوروبي في دعم الكيان.
كان المرحوم (اللهيان) هو القابض على ملف ادارة الازمة في غزة وقت مات يرحمه الله!! وأما الرئيس الذي شاركه مشوار الحب فقد شاركه لحظة الموت والرئيس الايراني يرحمه الله، يحمل هوية محافظة جدا، وعنيفة جدا فلقد اخذ قراره استجابة لرغبة (الامام المرشد المعصوم) حين سحلت صبية كردية نصف غطاء رأسها، بقطع كل رأس يرفع تأييدا لذلك التجروء..
ولأن حقق نجاحا باهرا في إدارة الصراع في غزة ولبنان، إلا ان كل هموم الشارع الايراني قد تفاقمت (فالاقتصاد في حالة رثة) لصالح الفعل الخارجي وبرنامج التسليح!!
حين مد الرئيس الايراني لسانه ليستحلي خردقة الحلف الصهيوني الاذري الكردي بصناعة السدود وقف القدر في وجهه فتوقف عن الحياة….
اليوم نعود الى اقدار الشرق الاوسط.. ايران في ظني ستتجه الى قليل من الانفتاح مع شخص الرئيس القادم!! وستنشغل قليلا في امور داخلها، وان نجح (الديمقراطيون) في واشنطن بالعودة للبيت الابيض وازعم انهم اقرب لتحقيق ذلك من مجانين دعاة استخدام النووي للتخلص من الفلسطينيين (الجمهوريون) فان طهران ستأخذ نفسا طويلا في الانزياح عن قدرة الفعل في الشرق الاوسط..
إن فرصة سانحة بوفاة الرئيس الايراني وساعده الايمن رحمهما الله ليلتقط الشرق الاوسط نفسه من جديد… كذلك فإن المشروع الصهيوني في طريقه لاعادة انتاج نفسه حتى لو نحو الاسوأ فإن شيئا ما في داخله قد تخلخل وفي ذلك فرصة اضافية!!
بقي ان نرى جسارة من طرف ثالث فلسطيني او عربي (يجمع اهل التقوى لاهل التفاوض غير المنتج)، فنرى خروجا امنا لحماس من الميدان عبر بوابة السياسة، ونرى دخولا لـ (فتح وسلطتها) امنا ايضا لبوابة فلسطين عبر التخلص من غطرسة الحزب الواحد والفكر المسدود…
إن من العار أن يظل الحال الفاسطيني على ما هو عليه.. لقد جرب الفلسطينيون، روابط القرى في مطلع الثمانينات وفشلوا واعيد انتاج مشروع روابط القرى ليصبح روابط (للمدن) في تجربة اوسلو واخفقت بمهانة وحزن والان بقي اختبار تجربة روابط البدو في اغنية (يعيش ابو عصام / العرجاني) وهي محكومة بالسقوط ايضا فشتان بين دم حماس الطهور الذي غسل عار الصمت وبين مصفحات امريكية فارهة تنثر رمل سيناء تهليلا بالعرجاني…
إن لم يستفد الفلسطينيون من تغير المعادلة بخروج ايران مؤقتا من المعادلة وان لم يبادر العرب الحكماء منهم الى ملء الفراغ فإن المعادلة ستكون (كأنك يا بو زيد ما غزيت!) غزة بعشرات الالاف من شهدائها غيرت امريكا واوروبا فهل تكون دماء غزة قادرة ان تفتح عيون الفلسطينيين والعرب!!؟
احلم بـ (ابي محجن) جزائري يجمع فتح وحماس ويمهلهم، ان يتفقوا والا فسيدق اعناقهم، فاما الاتفاق واما اللحاق بقدر الرئيس الايراني..