صدى الشعب – كتب د. منذر الحوارات
يحتضن الرئيس بايدن طفلة اسرائيلية ويعدها بتحرير والدها من الاحتجاز لدى حماس، ولأجل ذلك تنهي الولايات المتحدة كرنفال المساعدات القاتلة لإسرائيل وتقدم 26 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل للاستمرار في حفلة الدم والخراب هذه، وبلا خجل وأمام قهر الباحثين عن الحق تستخدم أربعة «فيتوهات» في مجلس الأمن، ثلاثة تمنع وقف الحرب وواحدة تحرم الفلسطينيين من حقهم في الحصول على دولتهم المنشودة، ولا ضير لديها إن أغمضت عينيها وقلبها عن مقتل وجرح أكثر من مائة ألف من الغزيين جُلهم من الأطفال والنساء بلا أدنى رحمة، بينما يحدث كل ذلك بشكل يجعل كل متابع يشعر بالخزي بأن هذا يصدر عن الدولة الأقوى والأغنى في العالم وهي نفسها التي صدعت رؤوس العالم وقادة الدول الدكتاتورية بحقوق الإنسان والمرأة وحق تقرير المصير للذات البشرية، ووسط حشرجات الموت وصراخ الوجع يحاول بعض الأميركان الصراخ والاحتجاج تعبيراً عن خزيهم أولاً من مواقف دولتهم وثانياً من قدرتها الهائلة على الكذب والتلون بوجهين والتحدث بحقيقتين.
لقد فُجع العالم بحجم القسوة التي واجهت بها الشرطة الأميركية المتظاهرين الداعمين للقضية الفلسطينية، والذين انطلقوا من جامعة كولومبيا معقل ادوارد سعيد وبعده رشيد الخالدي ووائل حلاق وللأسف تترأسها نعمت شفيق التي نسفت كل إنجازات أولئك العِظام، عندما استدعت الشرطة لفض اعتصام الطلبة علماً بأنها الشخص الوحيد المخول قانونياً بالسماح للشرطة بالدخول في خلاف واضح مع التعديل الأول من الدستور الأميركي، وحتى يتسنى لها وداعميها فعل ذلك تبنت المؤسسات الأميركية الداعمة لإسرائيل مهمة شيطنة هؤلاء الطلبة وذلك بوصفهم بنعوت مختلفة ابتدأت من كون هؤلاء يساريين متطرفين كارهين لقيم المجتمع الأميركي، أو نعتهم بأنهم سود غاضبون، أو أنهم فوضويون أو مسلمون وفلسطينيون ناقمون على الحضارة الغربية، ولكن عندما يكونون بيضا يطلق عليهم «نادمون اعتذاريون»، وعندما يكونون يهوداً يطلق عليهم كارهون للذات، بالتالي تم تنميط هؤلاء الطلبة كل حسب مقتضى وضعه، كل تلك الشيطنة أتت وفق هدف واحد هو الانقضاض على هذه الاحتجاجات ومحاولة وأدها في مهدها لكن ماحصل هو العكس تماماً.
لقد توسعت التظاهرات والاعتصامات بعد دخول الشرطة الحرم الجامعي والذي يعتبر كعذراء لا يجب المساس بها، كانت تلك نقطة انطلاق لتوسع حركة الاحتجاج فقد مرت بجامعة كاليفورنيا وجامعة هارفرد وتوسعت إلى 56 جامعة أميركية وربما تتوسع اكثر، لكي تتمكن السلطات من إيقاف هذة الموجة العاتية من الاحتجاج كان لا بد من تهمة جامعة يمكن لها أن تشمل جميع التصنيفات السابقة، طبعاً ليس أشمل وأعم من تهمة العداء للسامية وفي اميركا تتعطل لغة الكلام عند هذه التهمة ويصبح هاجس العقوبة وقطع المساعدات عن الجامعات والحرمان من إتمام الدراسة بالنسبة للطلاب، فما بالك إن رافقتها التهمة المتممة وهي الحض على الكراهية، بالتالى تحولت مواجهة هذه الاعتصامات إلى ما يشبه الهستيريا حتى ان نتنياهو دعا السلطات الأميركية كي تكون أكثر جدية في ملاحقة المعتصمين، لقد تم الخلط بين اسرائيل واليهود وفجأة تبنت صحف ومحطات الولايات المتحدة مبدأ يهودية الدولة وربط مهاجمة إسرائيل بشكل أو بآخر بمهاجمة كل اليهود وبالتالي يدخل المتظاهر الذي ينتقد إسرائيل مباشرةً في معاداة السامية وبالتالي ينطبق عليه قانون معاداة السامية بكل مافية من نتائج كارثية على المتظاهر أو المؤسسة إن لم تتخذ موقفاً صدامياً مع المتظاهرين، بل حتى أن وصف إسرائيل بدولة استيطانية صار يدخل في بند العداء للسامية.
إنها مفارقة عجيبة بأن تُقمع المظاهرات في معقل الحرية وحقوق الإنسان من الخروج للدفاع عن حق الإنسان الفلسطيني بالعيش وترفض موته بهذه الطريقة البشعة والمأساوية وكل ما يقوله المتظاهرون أوقفوا القتل في غزة ولا شيء آخر، أي تناقض هذا؟ هذا التناقض الصارخ سيطرح ألف إشارة استفهام حول مصداقية اميركا كدولة مدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، فهي بالأمس كانت تعطي الدروس في كيفية التحول إلى دول ديمقراطية وكيفية الحفاظ على حقوق الإنسان في دول العالم الفقير المتخلف، لكن السؤال كيف للولايات المتحدة منذ الآن وصاعداً أن ترفع عينها في قادة المنطقة والعالم، ألن يذكروها بتلك السيدة السوداء التي يمرغ شرطي أشقر وجهها بالتراب ويهدم خيمة اعتصامها ويمنعها حتى من الحديث، أهذه اميركا التي صدعتم بها رؤوسنا؟ لكن الخوف كل الخوف أن يصبح سلوك السلطات الأميركية مع المتظاهرين نقطة ارتكاز يستند إليها قادة الدول المتخلفة للانقضاض على أي تحرك شعبي مطالب بالحقوق السياسية والمدنية، على اعتبار أن النموذج الأمثل اميركا لم يتوان عن فعل ذلك عندما تطلبت مصالحه ذلك.