نورالدين نديم
التعليم ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ بشكل عام، وفي الأردن بشكل خاص، لا زال يراوح في مربع ما يسمى بالتعليم البنكي، الذي أشار إليه “باولو فرايري” في كتابه “تعليم المقهورين”.
والذي يُعتبر من أنماط التعليم التي أثبتت التجارب عجزها عن إحداث التغيير الإيجابي في تكوين الطالب، أو إكسابه قدرات الفهم والتحليل والتركيب، أو أيٍّ من المهارات الحياتية.
ويعود ذلك لتعالي هذا النوع من أنواع التعليم في لهجة خطابه، وتجاهله الطالب كجزء من حوار التعلم.
فالطالب وفق “التعليم البنكي”، ينحصر دوره في التلقّي فقط، ولا يُطلب منه سوى الحفظ والتذكر، دون تعمّق في مضامين النص، أو قراءته قراءة تحليلية.
ورغم محاولات المؤسسة التعليمية االأردنية الجادّة في الخروج من نمط التعليم التلقيني، وكسر حالة الجمود في العلاقة التكاملية بين المعلم والمتعلم والمنهاج، إلّا أننا لازلنا نعاني من ضعف الممارسة العملية، وعدم استقرار واستدامة الخطة الإجرائية، ولا نكاد نرى ذلك الأثر المستدام في المخرجات، فلازال الطالب يمارس التذكر لاسترجاع المعلومة، وكأنه أداة تسجيل “ميكانيكية”، لا تعي ما تحمله من قيمة للمعلومة، ولا تُحسن توظيفها في مناحي الحياة.
ما نصبو إليه هو علاقة أكثر تفاعلاً بين المعلم والمتعلم والمنهاج، تعمل على نقل اﻟﺘﺠﺎرب اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، من خلال مناهج تطبيقية، ومعلم مهيأ مؤهل ذو خبرة وصاحب تجربة، ومتعلم ممارس متفاعل.
إن استخدام “محكّات التفكير” لمجرّد التجميل وتحسين صورة الأداء التعليمي داخل الغرفة الصفية، لن يساعد في بناء الطالب التفاعلي، وإكسابه القدرة على إنتاج المعارف بشكل مستقل، غير تبعيٍّ للمعلم أو المنهاج.
التعليم الحداثي، تعليم تشاركي ناهض ومنفتح، يحترم انسانية المتعلم، ويتعامل معه كمحور للعملية التعليمية، فهو يقدم الحوار على التلقين، ويقصر دور المعلم فيه على تيسير الحوار، وتمكين المتعلم من مفاتيحه، بتكوين الحجج والاستدلال وحسن الاصغاء وتقبل الرأي الآخر.
إن الانتقال من التعليم البنكي إلى التعليم الحداثي يحتاج لجرأة ممن يدير المؤسسة التعليمية، وتجرّد من مخاوفه في إنتاج جيل مستقل برأيه، واتجاهاته، ومواقفه.
فصناعة المستقبل لا تحتمل فكرة المتعلم التابع، الذي يكرر دون فهم، ويقلّد دون وعي.