كتب – راية عبد الحميد الرواشدة
شهِد العالم في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في قطاع التجارة الإلكترونية التي أصبحت تنافس قطاع التجارة التقليدية من حيث حجم التعاملات ونسبة النمو وأصبحت مؤشر رئيسي يعكس تطور البلدان ونسب نموها كونها أصبحت إحدى محركات النمو الاقتصادي وتُساهم بشكلٍ كبير في خلق شركات ناشئة، وتنفيذ مشاريع رائدة وبالتالي توفير فرص عمل مبتكرة مرنة، حيثُ أن قطاع التجارة الإلكترونية هو القطاع الوحيد الذي استمر ونمى خلال جائحة فيروس كورونا العالمي – عام 2020نظراً للتغير المفاجئ الذي لم يترك خياراً للمستهلكين سوى التسوق عن بعد من خلال منصات التجارة الالكترونية العالمية والتي بدورها أسهمت في تعزيز وإرساء ودعم حركة الأعمال في القطاعات الداعمة والمساندة لقيام التجارة الإلكترونية كقطاع التوصيل والخدمات اللوجستية وقطاع الخدمات المالية الرقمية، هذا و خلقت التجارة الإلكترونية مفاهميم جديدة كالتجارة الاجتماعية والتجارة الرقمية المعتمدة في تطورها على التقنيات الحديثة كتقنية البلوكشين وانترنت الأشياء وتكنولوجيا الواقع الافتراضي ” الميتافيرس” وغيرهم.
هذا وتقدم التجارة الإلكترونية فرصاً سانحة لدعم الاقتصاد الوطني الأردني وتنمية الصناعات الأردنية نظراً للإمكانيات التي يمتاز بها الأردن من موقع استراتيجي، وبنية تحتية متطورة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد خاصة في ظل توفر شبكات الجيل الخامس 5G حيثً تَقدم الأردن في مؤشر الأونكتاد للتجارة الإكترونية B2C ليحتل المرتبة الـ 76 عالمياً والمرتبة الثامنة عربياً عام 2020، مدفوعاً بالتحسن الملحوظ في درجة موثوقية البريد كإحدى ركائز المؤشر.
كما وتشجع التجارة الالكترونية نمو الصادرات المحلية والمتداولة خاصة ما يتعلق بصناعة الملابس والأزياء والتي كانت في المرتبة الأولى ضمن أكثر السلع التي يختارها المستهلكون عند قيامهم بالتسوق الإلكتروني في الأردن وذلك بالاعتماد على نتائج استبيان قامت به منظمة الأونكتاد عام 2022 ضمن دراسة لتقييم جاهزية التجارة الإلكترونية، وبالنظر الى محور الخدمات المقدمة عبر الانترنت فإن أهم ثلاثة خدمات يتم شراؤوها عبر الانترنت في السوق الأردني هي خدمات تسليم الطعام، خدمات المدفوعات الرقمية و الخدمات المالية بالترتيب .
وانطلاقاً من رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في رؤية التحديث الاقتصادي وحرصاً من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على أداء كافة المهام الموكلة إليها وخاصة المتعلقة في مجال تنظيم الخدمات البريدية بموجب قانون الخدمات البريدية رقم (34) لسنة 2007 ، فقد عملت الهيئة على إضافة هدف استراتيجي على خطتها الاستراتيجية النافدة والمتعلق بتطوير البيئة التنظيمية لقطاع البريد لمواكبة التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية والتي تتضمن مجموعة من الأهداف التشغيلية و المشاريع التي تساهم في تحقيق حماية مصالح المستفيدين من الخدمات البريدية في المملكة نظراً للارتباط الوثيق بين التجارة الإلكترونية وخدمات التوصيل التي تعد العمود الفقري لقيام ونمو الخدمات المتأتية من نشاطات التجارة الإلكترونية.
هذا وأولت الهيئة أهمية كبرى لقطاع التجارة الإلكترونية والبريد من خلال دعم مساهمة القطاع البريدي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة SDGs حيث عملت الهيئة على تشجيع مقدمي الخدمات البريدية على تقديم حلول توصيل متقدمة صديقة للبيئة من خلال إعداد تجارب فنية لتوصيل طرود بريدية بطرق مبتكرة وذلك بعد الاطلاع على الممارسات العالمية الناجحة، ومثال على ذلك ما قامت به الهيئة من تجارب لتوصيل طرد بريدي من خلال الطائرة المسيرة و الروبوتات بالإضافة الى عرض نموذج محاكاة لمحطة طرود بريدية ذاتية ” نشامى بوكس”، بجانب مشاركة الهيئة في العديد من الفرق المتعلقة بتنظيم التجارة الإلكترونية كفريق تقييم جاهزية التجارة الإلكترونية في المملكة و فريق تطوير الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية و اللجنة التفيذية المنبثقة عنها .
ومن الناحية العملية تسعى الهيئة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لإيجاد أطر تنظيمية وتشريعية مواكبة للتطور التكنولوجي المتعلقة بتنمية أشكال التجارة الإلكترونية، ومثال على ذلك مقترح الهيئة مبادرة “ترخيص المتاجر الإلكترونية” في المملكة والذي يهدف الى تنظيم الأسواق الالكترونية خاصة المتواجدة على مواقع التواصل الاجتماعي حمايةً لمنظومة الشراء الإلكتروني في الأردن.
وبحسب نتائج الدراسات الفنية التي أُعدت من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حول احصائيات طرود التجارة الإلكترونية، فقد تم رصد ودراسة أعداد طرود التجارة الإلكترونية المحلية اذ بلغت 28 مليون طرد بريدي متداول محلي تم توصيلهم من خلال شركات التوصيل المرخصة من قبل الهيئة والتي تتعامل مع طرود المتاجر والمنصات الإلكترونية، حيث شكلت طلبات الطعام من خلال التطبيقات الذكية 79% من إجمالي عدد الطرود، وبما يتعلق بطرود التجارة الإلكترونية الواردة للأردن من منصات التجارة الإلكترونية العالمية فقد بلغت ما يقارب 760 ألف طرد للعام 2022.
إن قطاع التجارة الإلكترونية قطاع واسع ومتشابك الأطراف ويحتاج الى إجراء دراسات مستمرة ومتابعات للممارسات العالمية وبناء الشراكات الاستراتيجية بشكل فعال لبناء بيئة ممكنة لكل من الشركات لتطوير أعمالها والمساهمة في الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة ومبتكرة بالإضافة الى حماية مصالح الأفراد وتشجيعهم لخلق مشاريع وشركات ناشئة كبديل عن الوظائف التقليدية ضمن منظومة متكاملة لتمكين الاقتصاد الرقمي بشكله الأوسع.