نورالدين نديم
التعليم الجيّد هو هدف لذاته ولما يحمله من أدوات وروافع للتنمية المستدامة، ولذلك جاء ترتيبه الرابع ضمن قائمة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة.
فالتعليم الجيد الذي ارتبط ذكره بجودة التعليم، يهدف بشكل عام إلى تحسين حياة النّاس، وتمكينهم من ديمومة العيش بوعي وكرامة.
صحيح أنه يعتمد في خططه على فكرة محورية الطالب في العملية التعلمية التعليمية، لكنه في ذات الوقت يوفّر البيئة الصحيّة لنجاح العملية التعلمية التعليمية، التي تضمن حق الطالب في الحصول على تعليم حداثي آمن، وتوفر للمعلم مساحته الحرة للابداع، وأدوات التعليم التي تواكب التطور وتيسر عليه إيصال المعلومة للفئة المستهدفة، بشكل سلس وممتع وأكثر فاعلية.
لا شك أن بناء الإنسان وتحريره من قيد الجهل وإطلاق العنان لقدراته يُعد من أصعب الأعمال التي تمارسها البشرية، لكن الذي يريد بناء وطن حداثي منتج ويهيئ الطريق لحياة مرفهة لمواطنيه، عليه أن يبدأ بإصلاح منظومة التعليم وتوفير كل دعم وإسناد لها وإعطائها الأولوية في خططه وبرامجه.
فليس من السهل كما ذكرنا صناعة مواطن قادر على الانتاج، منتمٍ لوطنه، منفتح في تفكيره، مؤمن بقدراته، وواثق من النجاح.
وعليه فإننا بحاجة إلى تضمين خططنا الإجرائية ما يحقق قدرة المعلم ويمكنه من إكساب الطالب زخم معرفي، ومهارات إجتماعية وعاطفية وعقلية، وقدرات بدنية،
التعليم الجيد الذي نحن في أمس حاجتنا له، لا يقتصر على عدد صفحات الكرّاسة، وشكل غلاف الكتاب وألوان الصور والصفحات.
التعليم الجيد يحقق التنمية المستدامة، من خلال توفير الموارد وتوجيه السياسات، وتهيأة البيئة الآمنة للمشاركة المجتمعية الإيجابية.
التعليم الجيد لا يقبل بفكرة المعلم الآلي، أو المعلم التنفيذي، إنما يصنع المعلم الابتكاري المبدع والمهتم .
التعليم الجيد لا يقصر اهتمامه على ركن واحد من أركان التعليم ويغفل عن باقي أركان العملية التعلمية التعليمية، فهو يصنع معلم جيد قادر، ويهيّئ بيئة تعليمية آمنة، ويوفر أدوات التعلم الحداثية المتطورة.
التعلم الجيد يهيئ الطالب للتعامل مع الحياة بإيجابية وعقلية إنتاجية، ويمكنه من تفكيك تعقيداتها، وتجاوز عقباتها، ويكسبه المهارات اللازمة لذلك.
لكن لا يمكن للتعليم الجيد أن يتحقق دون ضمان جودة التعليم، من خلال ديمومة المراجعات والتقييم لمسارات التعليم ومخرجاته، والتحقق من التزام الجميع بمعايير الجودة المتفق عليها.
لربما تقدمت وزارة التربية والتعليم في الأردن بخطوة تطويرية في هذا المجال باستحداثها وحدة مختصة بجودة التعليم والمساءلة، لكن يبقى الانفصام بين الواقع المعاش في الميدان التعليمي والجانب التنظيري يقف عائقاً دون تحقيق هذه الوحدة أهدافها.
لن يفيدنا الاكتفاء بتعريف الميدان بمفهوم وأهداف وطريقة عمل وحدة جودة التعليم والمساءلة، لكن يفيدنا تحقيق وفرض التعاون بين الوحدة والإدارات والقيادات التربوية، واقتناع الميدان التربوي بجدوى وفائدة عمل هذه الوحدة وانعكاسات ذلك على تحسين ظروف عملهم.
أحرزت وزارة التربية والتعليم في الأردن تقدماً في التعليم الجيد جزئيّاً من جانب توسيع رقعة التعليم الالزامي لتغطي الصفوف العشرة الأولى، ومن حيث زيادة عدد مراكز محو الأمية، ومتابعة التسرب المدرسي ووضع خطط لعلاجه، لكنها لا زالت تراوح مكانها في تحقيق الأهداف العالمية للتعليم كأحد أهداف التنمية المستدامة، لتحسين حياة الناس وإكساب أبنائنا الطلبة مهارات التعامل مع الحياة.
عالميّاً نحن نواجه خطر حرمان (٨٤) مليون طفل من الالتحاق في المدرسة بحلول عام ٢٠٣٠م، وسنواجه كارثة تعليمية بافتقار ٣٠٠ مليون طالب إلى مهارات الحساب والقراءة، ونحن جزء متأثر من العالم، وإذا لم نتكاتف ونتكامل لتحقيق هدف التعليم الجيد كهدف تنمية مستدامة، فالمشكلة التي تتعدى حدود المحلية إلى آفاق العالمية، سنصاب بنارها، ولن ينفعنا الندم وقتها، لأنه وباختصار، الوقاية خير من العلاج.
لأجل كل ذلك أدرج التعليم الجيد على لائحة أهداف التنمية المستدامة العالمية، مما يوجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا ونتنبه إلى ضرورة العمل بأقصى طاقتنا لتكييف التعليم وإعداد الخطط القابلة للحياة، بما يضمن توفير بيئة تعليميّة ديناميكية إجتماعية آمنة، تصنع إنساناً منتمٍ حر منتج، ووطن مزدهر حداثي مستقل.