بقلم عبدالله محمد القاق
تواجه مدينة القدس وخاصة في شهر رمضان المبارك أشرس عملية مواجهة بين المصلين وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت المسجد الاقصى وهاجمت المصلين بالقنابل الصوتية والاعيرة المطاطية وإغلاق ابواب المسجد بالسلاسل الحديدية لمنع المصلين من أداء الصلاة. تجري هذه الاحداث تحت سمع وبصر القوى الاسلامية والعربية دون اتخاذ اي اجراء قوي يرفع الغبن عن الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال حوالي75 عاماً.
لقد اكتسبت القدس عبرتاريخها أهمية دينية وروحية وحضارية فريدة، بحكم أنها مهد الديانات السماوية، لذا كانت بؤرة صراع ما بين الكيان الصهيوني وأصحاب الأرض من العرب الفلسطينيين، وعروبة القدس التي بناها الكنعانيون العرب منذ خمسة آلاف عام، تشهد عليها الأرض والانسان وآثارالتاريخ عبر العصور المختلفة، بدءاً من الحضارة الكنعانية إلى الحضارات الإغريقية، والرومانية والإسلامية، وغيرها من الحضارات الأخرى التي خلفت الكثيرمن الآثار المعمارية، والمواقع الأثرية والتاريخية الهامة، التي تكشف زيف الإدعاءات الإسرائيلية التي يروج لها قادة إسرائيل عن الحق التاريخي لليهود في فلسطين.
لقد سجل القرآن الكريم مكانة القدس في الإسلام حين وضح أن الله سبحانه تعالى أسرى بعبده وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حيث قال جل شأنه: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.
وسُمِّي بالمسجد الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة والمراد بالبركة المذكورة في الآية الكريمة في قوله تعالى “الذي باركنا حوله” البركة الحسية والمعنوية، فأما الحسية فهي ما أنعم الله تعالى به على تلك البقاع من الثمار والزروع والأنهار، وأما المعنوية فهي ما اشتملت عليه من جوانب روحية ودينية، حيث كانت مهبط الصالحين والأنبياء والمرسلين ومسرى خاتم النبيين، وقد دفن حول المسجد الأقصى كثير من الأنبياء والصالحين. والمسجد الأقصى: هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”. اقرأ أيضا: يزيد بن أبي سفيان .. ملامح وبطولات الاجتماعات الدَّورية والخرافات الإدارية ومعنى هذا الحديث أنه لا يسافر أحد لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه المساجد الثلاثة لا أنه لا يسافر أصلاً إلا لها، وقد بني المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟
قال: “المسجد الحرام”، قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى”، قلت: كم كان بينهما؟ قال: “أربعون سنة، وأينما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد”. وللمسجد الأقصى مكانته الجليلة في الإسلام فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. روى الطبري في تاريخه عن قتادة قال: كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا.
بيت المقدس قطعة من الجنة ومما يدل على فضل بيت المقدس ومكانته أنه أرض المحشر والمنشر، وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟
قال: “أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره”، وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أراد أن ينظر إلى بقعة من الجنة فلينظر إلى بيت المقدس”.
وفي مدينة القدس دفن عدد كبير من الصحابة والتابعين منهم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت وشداد بن أوس -رضي الله عنهما- فهو مهد النبوات والشرائع والرسل الذين وجدوا هناك في هذا العصر، ولقد كان المسجد الأقصى قبلة لهم، وهذا كله يمثل البركة الدينية التي أحاطت به،مما يؤكد عاطفة المسلمين نحو القدس الشريف كواحد من أهم معالم الإسلام أنه قد أسرى الله برسوله صلى الله عليه وسلم إليه، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل المسجد الأقصى وصلى فيه يكون الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى وصلاً للحاضر بالماضي وتقديرًا لمنزلة هذه البقعة المباركة التي عاشت عمرًا كبيرًا تنتشر على ظهرها الهداية، وتستقبل في رحابها النبوات، وظل بيت المقدس مهبط الوحي الإلهي سنين عديدة، فلما عصى اليهود أمر ربهم وتنكروا لوحي السماء تحولت النبوة عنهم، وانتقلت إلى ذرية إسماعيل، وتحولت بالتالي القيادة الروحية إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، فانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه البقعة المباركة تقديرًا لإخوانه السابقين من الأنبياء والمرسلين، وإعلانًا عن إكباره لهم وللدين الذي انتشر نوره وسناه في هذه البقاع المباركة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما قال سبحانه “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”.