ماجد توبه
لا يمكن انكار وجود خلافات وتباينات
بوجهات النظر بين ادارة بايدن ونتنياهو ومتطرفيه في ادارة العدوان على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، لكنها خلافات وتباينات لم تمنع الطرفين المجرمين من العمل سوية على استكمال حرب الابادة بحف الفلسطيين والمضي بتدمير البشر والحجر والشجر وحرث القطاع المنكوب ليعود غير صالح للحياة.
الاخطر ان حديث الامريكيين في الغرف المغلقة او ببعض التصريحات الخجولة عن عدم الرضا عن ادارة نتيناهيو وعصابته المتطرفة لم تنعكس على الارض بالتصدي الامريكي للضغط الحقيقي على الاحتلال لينصاع لتحفظات امريكا المعلنة او المزعومة، بل ان الولايات المتحدة ما تزال تشتري الوقت لاسرائيل لاستكمال تدميرها وجرائمها في غزة، واستمرار تزويدها بكل انواع الاسلحة وتوفي الغطاء السياسي للعدو لينجو من جرائم الحرب والابادة التي يرتكبها ليل نهار.
ضمن هذا السياق، الملتبس قليلا، تاتي خطوة ادارة بايدن الاخيرة، بقرار انشاء ميناء بري مؤقت على شواطيء غزة لتوفير – كما يدعون- المساعدات والاغذية لمئات الالاف من المحاصرين ممن تجوعهم اسرائيل على مراى ومسمع العالم كله.
هذه الخطوة الامريكية المغلفة بـ”الانسانية” لا تنسجم مع الدعم الكامل للاحتلال الاسرائيلي في جرائمه، حيث لا تخجل ادارة بايدن من القول انها تختلف مع نتنياهو لكنها لا تتخلى عن اسرائيل. كما ان هذه الخطوة تعد قفزة في الهواء تحتاج لوقت طويل حتى تؤتي اكلها ان صدقت النوابا، فيما الوضع الانساني بالقطاع وانتشار الجوع وقلة المعونات لا تحتمل اي تاخير في ايصال المساعدات حيث تقترب المنظمات الاممية من الاعلان رسميا المجاعة في غزة، وتحديدا في شمالها الذي يعاني فيه مئات الالاف من الفلسطيينيين.
لو صدقت النوايا الامريكية بتخفيف الاثار الانسانية المخيفة في غزة، لكانت لجات – كما تقول المنظمات الاممية ذاتها – الى الضغط على اسرائيل لفتح المعابر البرية مع غزة وفورا، لتدخل مئات الشاحنات المتراكمة بالجانب المصري من معبر رفح، وايضا لسمحت للاردن بتسيير جسره البري من المساعدات، وهو جسر كان الاردن قد حصل على تطمينات امريكية وغربية من فتحه وانسيابيته، الا ان العدو الاسرائيلي له راي اخر، ويعرقل دخول المساعدات المتراكمة في الاردن، سواء التي تم جمعها من الاردنيين او تلك التي تبرعت بها دول اخرى عبر المملكة لغزة.
لكل ما سبق واكثر، تبدو نظرية المؤامرة من وراء الميناء الامريكي المؤقت مسوغة ومفهومة، فاصوات عديدة من سياسيين وخبراء باتت تحذرمن ان هذا الميناء الامريكي المؤقت يهدف اساسا الى التهجير الطوعي لفلسطينيي غزة بعد انهاكهم وتجويعهم وقتل الالاف منهم معاناتهم بالعيش بالعراء تحديدا في الشمال المدمر والمنكوبا.
ليس غريبا بل متوقع ان يقف هدف التهجير وراء خطوة امريكا واوروبا واسرائيل من فتح الميناء المؤقت، الذي ستصله السفن تباعا تحمل مساعدات ثم تعود الى اوروبا وقبرص ولنيكون غريبا ان تسمح لمن يرغب من غزيين بالهجرة والهرب من الجحيم للركوب بهذه السفن.. ركوبا مجانيا بتذكرة ذهاب دون اياب!
التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة بقي هدفا ذا اولوية للعدو الاسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة، رغم ان الاخيرة ترفض ذلك علنا، وعندما وجدتا صدا مصريا حازما لهذا السيناريو بحثتا عن طريق اخر لتنفيذ مخطط التهجير، فتفتقت ذهنيتمها عن هذا الحل بايجاد ميناء بحري مؤقت.
لا نخشى على الشعب الفلسطيني.. ونثق انه سيفشل هذه المؤامرة للتهجير عبر البحر كما افشلها عبر البر، وبصموده الاسطوري بوجه القتل الجماعي والابادة والتجويع.