د. نبيل الكوفحي
لم يكن نصر الله محصورا في شكل محدد، بل يتعدد وفق أهداف و طبيعة المعركة، والنتيجة تحقيق اهداف المسلمين وفشل الكفار. في غزوة الأحزاب؛ كان البادىء في الهجوم هم اعداء المسلمين وقد فشلوا في استباحة المدينة المنورة وقتل المسلمين فكان النصر للمسلمين.
بعد مقتل الحارث بن عمير الازدي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم للروم، لم يكن المسلمون يخشون الدولة الأعظم ويسكتوا على قتل رسولهم في خرق للاعراف آنذاك. فجهز الرسول صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة الاف مقاتل لاظهار قوة المسلمين وأنهم اصحاب رسالة وسيادة وكرامة. لقيهم الروم وانضم لهم من قبائل العرب في مائتي الف مقاتل. قاتل المسلمون ستة ايام متواصلة وقتل من قادتهم ثلاثة، حتى تسلم الراية سيف الله المسلول خالد بن الوليد. بعد تحقيق هدف المسلمين في غزو الروم دفاعا عن كرامتهم وسيادتهم؛ رأى خالد رضى الله عنه ان الهدف قد تحقق فخطط لانسحاب استراتيجي ونفذه بحرفية عالية.
في هذه المعركة جعل الله الرعب ( وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) سببا لنصرة المسلمين، فحينما قام خالد بن الوليد رضي الله عنه بتغيير قطاعات الجيش فجعل المقدمة مؤخرة و الميمنة ميسرة وهكذا، فظن الروم ان المسلمين قد جاءهم المدد بعد ستة ايام، فدب الرعب في قلوبهم وكان وقتا مناسبا لانسحاب المسلمين بعدها دون ان يجرؤ الروم على ملاحقتهم.
كانت خسائر المسلمين ثلاثة عشر شهيدا في مقابل الاف القتلى من العدو. من ابرز الادلة على انتصار المسلمين؛ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن أبي رواحة فأصيب، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم )، والاشارة واضحة الى سيدنا خالد بن الوليد الذي حقق معجزة عسكرية بعدم فناء الجيش امام جيش الروم الذي يفوقه بسبعين ضعفا. واصبح المسلمون قوة مهابة بعدها، حتى ان غزوة تبوك لم يات الروم لملاقاة المسلمين – وقد خرج اليهم- اثر تلك المهابة.
كم نحن بحاجة ان نتأمل هذه المعركة لمعالجة الانكسار النفسي والمعنوي الذي حل بشعوبنا ودولنا، فلم تكن المكافئة بالعدد والعتاد لاعدائنا معيارا في هذه المعركة ولا غيرها. ان ما يحدث في غزة الان لأكبر دليل على هذه الحقيقة؛ فلا وجه للمقارنة بين اعداد وقدرات العدو وبين المجاهدين وهم محاصرون من سنين طوال، وما هذا الصمود لاربعة اشهر الا دليلا اخر ايضا على تلك الحقيقة، وقد فشل العدو في تحقيق اي من اهدافه المعلنة.
ان دعاءنا لله سبحانه بالنصر مهم، لكنه يحتم علينا الا نجعل امانينا بشكل النصر معيارا لتحققه، فالنصر غير التمكين لكنه مقدمة له باذن الله.
والى قراءة أخرى ان شاء الله.