ماجد توبه
ما بات يؤلم اكثر من متابعة ومشاهدة مئات الشهداء وهم يرتقون في غزة تحت ركام مبانيهم وما تبقى منها بالقصف الصهيوني المجرم، هو حالة الهوان والتخاذل العربي تجاه حرب الابادة وعربدة الكيان الصهيوني المفتوحة على شهية القتل والتدمير للشعب الفلسطيني، هذا التخاذل العربي الذي وصل حد استرضاء اسرائيل واميركا بكل المغريات والتنازلات من تطبيع شامل ودفع كلفة بناء ما يدمره العدوان، دون التفكير للحظة باستخدام اية اوراق قوة ضاغطة على هذا الكيان!
حالة هوان وتخاذل وتردي عربية لم تصلها الامة بتاريخها الحديث، ففيما تهز جرائم اسرائيل وابادتها الممنهجة للشعب الفلسطيني بغزة والضفة المحتلة ضمير البشر حول هذا العالم وتشيع قهر الرجال لكل من كتب عليه عيش هذه اللحظة ومتابعة فصولها الدامية، تجد كثيرا من الدول العربية، خاصة الفاعلة منها اليوم، غير معنية بالقفز عن مرحلة الادانة والاستنكار العلنية للعدوان والمطالبة بوقفه، والوصول الى مرحلة التلويحظن مجرد التلويح، باوراق ضغط كثيرة تملكها هذه الدول للضغط على امريكا واسرائيل، من مقاطعة والتهديد بوقف تصدير النفط كما في حرب 1973، او حتى الذهاب لمقاضاة العدو امام المحاكم الدولية وغيرها، وقطع العلاقات معه ومع داعميه، وغيرها من اوراق لا تصل حتى لاعلان الحرب على اسرائيل.
الأدهى، والأكثر إحباطا لنا كشعوب عربية أن هذه الدول العربية، التي عطلّت واستغنت عن “العصا”، باتت تقدم “الجزرة” من أوسع الأبواب لإغراء إسرائيل والمجرم نتنياهو ليحفظ ماء وجوه هذه الدول، بل وقبل ذلك لمساعدة الولايات المتحدة للخروج من ازمتها وهي ترى ان اسرائيل تسعى بكل قوة لتوريطها في حرب اوسع في الاقليم وتلحق بادارة بايدن الخسارة تلو الخسارة امام الراي العام الامريكي على وجه الانتخابات الرئاسية القادمة.
عروض عربية بالجملة باتت تقدم لاسرائيل عبر العراب الامريكي، تطبيع كامل مع اسرائيل وعلى راسه مع السعودية.. الجائزة الكبرى، مقابل وقف الحرب مع التسليم بالاستجابة لمطلب العدو بادارة غزة عربيا ودوليا قبل تسليمها لمن ترضى اسرائيل عنه، مع التعهد باعادة بناء ما دمره العدوان في غزة، والاكتفاء العربي باعلان اسرائيل القبول بالمضي بحل الدولتين واقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، طبعا دون تحديد اية تفاصيل لهذه الدولة الموهومة التي دفن العدو اي امل باقامتها على الارض بمستوطناته ومخططاته المتراكمة!
دور اخر تمارسه دول عربية صغرى وكبرى، وتعتبره انجازا كبيرا، هو ممارسة دور الوسيط “النزيه” وناقل الرسائل بين اسرائيل وامريكا والمقاومة في غزة، بحثا عن صفقات لهدن انسانية والافراج عن الاسرى الاسرائيليين ونقل الادوية والمساعدات ومحاولة اخراج بعض جرحى غزة للعلاج بالخارج، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
مصر بعظمتها ووزنها الكبير تكتفي بدور الوسيط الخجول، وكان الصراع يجري في الموزمبيق لا على حدود امنها القومي من عدو يتضخم ويعربد ولا يخفي اطماعه في مصر وضد مصالحها كما باقي مصالح الدول العربية، والتي يحاول اختراقها بالتطبيع والاندماج دون تنازلات حقيقية عن اهدافه واطماعه بامتداد نفوذه وسطوته في الاقليم كله.
تخجل وانت ترى مواقف دول عديدة في امريكا اللاتينية وافريقيا وحتى اوروبا تتقدم على مواقف الدول العربية باجراءات دبلوماسية وقضائية ملموسة ضد الكيان الصهيوني، فيما يكتفي العرب بالتقدم بالمزيد من “الجزر” والمغريات لاسرائيل وامريكا.. للخروج ليس بوقف العدوان وارضاء شعوبها كهدف اساسي بل بـ”بياض” الوجه مع امريكا!