حازم الخالدي
يردد الإسرائيليون أن (حماس) منذ أن استولت على السلطة في غزة حولتها إلى منطقة مقيتة وساحة للإرهاب ، لم تحترم فيها المدنيين الذين مارست ضدهم التنكيل والقمع ، وتكررت هذه الاسطوانة في محكمة العدل الدولية أثناء الرد الإسرائيلي، وعلى لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي بأنه كان بإمكان (حماس) أن تحول غزة إلى منطقة مزدهرة ومستقرة بدل أن تجلب المال في حفر الانفاق وصناعة الصواريخ.
هذه الفكرة التي يحاول الكيان المحتل تسويقها لتشويه صورة (حماس)، ” التي لم تجلب لأهالي غزة سوى الاحباط، وكان بإمكانها أن تستثمر الأموال لتحويل غزة إلى سنغافورة”.
والسؤال الذي يطرح نفسه حتى تكون الفكرة واقعية ، هل تحولت الضفة الغربية إلى سنغافورة، وإلى منطقة مزدهرة، يتمتع أفرادها بحرية بفضل المناخ الذي تشيعه السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعتبر نموذجا للتعاون المشترك في التنسيق مع الكيان المحتل، الذي يسيطر على الضفة ويتحكم بكل مجرياتها، ولم يشفع التنسيق الأمني المشترك مع السلطة ، وتتهم ” إسرائيل” السلطة بأنها سلطة تمارس الإرهاب، كونها تتغاضى عن العمليات التي تقوم بها المقاومة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين .
تسعى ” إسرائيل” عبر وسطاء لفرض هيمنتها على غزة ، بحيث تريدها منطقة قريبة من غلاف غزة في أسلوب الحياة القائم على الرفاهية والموسيقى والغناء بعيدا عن التطرف والعنف تجاه إسرائيل، وهذا شيء مستحيل، وبالتالي فإن ما تريده ” إٍسرائيل” إبعاد أي خطر يتجه إليها من غزة ، وحتى في الضفة الغربية لم تستطع وقف هجمات المقاومة التي ظلت مشتعلة رغم التنسيق الأمني.
ما يريده الكيان وجود سلطة في الضفة وغزة بلا سلطة، سلطة مغلوب على أمرها، سلطة محيرة بين فكي كماشة، هل ترضي “إسرائيل” أم تقف في وجه شعبها ، كما يحصل في الضفة الغربية إذ يستطيع أصغر شرطي من قوات الاحتلال الدخول إلى أي مكان داخل الضفة سواء منزل أو مؤسسة تابعة للسلطة دون أن يعترضه أي شخص، وقد رأتُ بأم عيني؛ سيارات الجيب الإسرائيلية تتجول في الشوارع داخل مدن الضفة وفي الشوارع المحيطة في المقاطعة وتقوم باعتقال الشبان الفلسطينيين وأمام الشرطة الفلسطينية التي لا تستطيع اعتراضهم ولا تجرؤ على إطلاق النار عليهم.
فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول عام 1993، لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم ولم يتحقق أي بند من الاتفاق سواء ما يتعلق بحقوق اللاجئين والقدس ووقف الاستيطان والانتقال من مرحلة الحكم الذاتي إلى مرحلة إقامة الدولة الفلسطينية، وكلها كانت أحلام وإبر تخدير ؛ لم يتحقق للفلسطينيين أي منجز سوى التنسيق الأمني المدفوع الثمن، لا بل أن ” إسرائيل” سعت خلال إدارة الرئيس الأميركي ترامب إلى إنهاء القضية الفلسطينية بإعلان خطة “صفقة القرن”، وكانت تريد منها أيضا التوسع بالسيطرة على أراضي جديدة في الضفة الغربية وإقامة مستوطنات يهودية فيها.
قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة وتهدم البيوت وتعتقل الشبان وتغتال وتقتل وتمارس أبشع الجرائم وترتكب المجازر، وتدعم المستوطنين لإقامة مستوطناتهم وتحت أنظار السلطة الفلسطينية ، وهذا ما تريده في غزة ، سلطة بلا فاعلية، وهذا ما يدركه الشعب الفلسطيني الذي طالب في أكثر من موقف أن تنسحب السلطة من المشهد، احتراما لنضالات الشعب الفلسطيني.
“إسرائيل” في هذه الفترة في حالة قلق وهي تبحث عن مخرج لأزمتها في غزة التي غرقت فيها بالوحل ، ولا تريد أن تعيد المستوطنين إلى غلاف غزة وتبعث الحياة في هذا “الجيب الإسرائيلي”، حتى تؤمن لهم الحماية الكاملة، وأهمها ايجاد سلطة في غزة مشابهة للسلطة في الضفة الغربية، وهذا يعني، أنه كما تريد سلطة مفككة منزوعة الإرادة في الضفة تريد أيضا سلطة مفككة في غزة.
هذا الكيان الغاصب سيتعب كثيرا في بحثه عن سلطة موالية له في غزة، وفي النهاية لن يجدها.