نورالدين نديم
الأردن بجذوره العربيّة الممتدة إلى عُمقِ التّاريخ، لم يكن في يوم من الأيام منسلخاً عن قضايا الأمة من محيطها الهادر، إلى خليجها الثائر، وعلى رأس هذه القضايا، قضيّة فلسطين.
ففي عام 1948 تصدّر الأردن بأربعة آلاف وخمسمائة مقاتل من الجيش العربي، مشهد النّضال والمقاومة ضدّ القوّات الصهيونية المكوّنة من سبعين ألف وثلاثمائة مقاتل.
خاض الجيش العربي الأردني رغم قلّة الإمكانيّات، معارك ضارية ضد القوات اليهودية التي هاجمت المدن والقرى الفلسطينية وقتها.
وفي يوم 18 أيار 1948م تمكّن من دخول المدينة القديمة في القدس، في مهمّةٍ لصد هجمات العصابات الصهيونيّة، بعد تمكنها في الثلاثة أيامٍ التي سبقت دخول القوات المسلحة الأردنية، من احتلال المناطق المحيطة بالقدس.
وفي اليوم التالي لدخوله المدينة القديمة في القدس، تمكنت الكتيبة الثانية من احكام سيطرتها على المنطقة الممتدة من الشيخ جراح حتى باب الواد.
وكانت تتناوب كتائب الجيش العربي الأردني، على صد الهجمات الارهابية الصهيونية من جهة، وتحرير المناطق التي تم احتلالها من جهة أخرى، فقد حلّت الكتيبة الثالثة مكان الثانية وهاجمت النوتردام ثمّ استبدلت بالكتيبة الخامسة، وهكذا استمر جنود الجيش العربي بالدفاع عن حارات وزقاق القدس، وخاضوا معارك شوارع من نقطة صفر، مع العصابات الصهيونيّة، فمنهم من قضى نحبه على أسوارها، ومنهم من أصيب، ومنهم من رفع راية النّصر مهلّلاً ومكبّراً.
في الحي اليهودي، تمكّن أبطال الجيش العربي الأردني من حصاره حتى استسلمت القوّة الصهيونيّة المكونة من 480 مقاتل، بعد أن كبدته قوّاتنا الباسلة خسائر فادحة، بلغت 300 قتيل، بينما ارتقى من رجالنا أربعة عشر شهيداً، وجُرح خمسة وعشرين آخرين.
وخاضت قوّاتنا أوّل مفاوضات لتبادل الأسرى مع العدو الصهيوني، أدّت إلى إطلاق سراح خمسة آلآف مدني فلسطيني اعتقلتهم العصابات الصهيونيّة أثناء إحتلالها عدداً من المدن والقرى الفلسطينية.
وفي تلّة الرّادار ذات المكانة الاستراتيجيّة، حيث تسيطر على طريق رام الله – القدس، خاض جنود وضباط الجيش العربي الأردني ملحمة بطوليّة تمكنوا من خلالها من السيطرة الكاملة على التلة، رغم محاولة العدو اليوميّة للسيطرة عليها.
استمرت قوّاتنا المسلحة، باستبسالها بالدّفاع عن القدس، على كلّ المحاور، وتمكنت من الاستيلاء على مستعمرة رامات راحيل المشرفة على طريق القدس – بيت لحم، كما تمكنت من السيطرة على منطقة اللطرون، وباب الواد وجبال يالو، حيث كبّدت قوّات العدو الصهيوني خسائر فادحة بالأرواح والمعدّات، فتمكنت قواتنا الباسلة من قتل ثمانمائة مقاتل صهيوني، والسيطرة على جميع معداتهم وأسلحتهم.
هذا غيضٌ من فيض بطولات الجيش العربي الأردني وتضحيات أبنائه الذين ستبقى أحياء وشوارع وزقاق القدس شاهدة على بطولاتهم، التي كتبت بالدّم وبريح المسك، دفاعاً عن أرضها ومقدّساتها.
وما نراه في حاضرنا اليوم من استدامة هذه البطولات والتضحيات، وليس آخرها المستشفيات الميدانية في الضفّة الغربيّة وقطاع غزة، وعمليات الإنزال الجوّي للمساعدات في قطاع غزة، في اختراقٍ للحصار الصهيوني على القطاع، ومنعه وصول المساعدات الإغاثية الطبية للمستشفيات هناك، وفي تحدٍّ ومواجهةٍ للضغوط، وانحيازٍ صريحٍ لحق الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة، وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس، إنّما هو صخرة الحقيقة التي تتحطّم عليها كلّ الإشاعات، ومحاولات الشيطنة والإساءة، لهذا الجيش الذي آثر أن يتسمى بالعربي، حبّاً وانتماءًا لعروبته الخالصة، وسيبقى سيفاً وعزّاً لكلّ العرب، مُشهراً في وجه أعدائهم للأبد.