معركة طوفان الأقصى غيّرت المفاهيم وأعادت تشكيل خارطة المنطقة وفق قواعد جديدة، فرضت على الكيان الصهيوني ما عجزت عنه الدبلوماسية الدولية على مدى 75 عاماً.
فهي من جهة أفقدت العدو الصهيوني توازنه، وقدرته على الردع والمبادرة، وتفوقه الإستخباراتي، ومن جهة أخرى فرضت الوجود الفلسطيني وخيار قيام دولته المستقلة وزوال الاحتلال، كخيار وحيد لا ثاني له، وكحاجة دولية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط خاصة، والعالم أجمع، عامَةً.
فبعد عجز الاحتلال عن المساس بقدرات المقاومة أو النيل من قياداتها وإمكانيّاتها، واكتفائه بالانتقام من المدنيين، وتدمير البنية التحتية الخدمية لأهالي غزة، صار لزاماً علينا المسارعة بالاستعداد لمرحلة ما بعد انتصار المقاومة في غزة.
فالمقاومة في غزة فرضت نفسها، وليس من مصلحة أحد تجاهل ذلك، وبعد أن كانت فكرة زوال إسرائيل، فكرة أقرب إلى الخيال، تثير سخرية واستهزاء الكثيرين، أصبحت بفضل ثبات وصمود المقاومة أقرب للتحقيق أكثر من أي وقتٍ مضى.
نجحت حماس بإدارة قطاع غزة والعبور به من كل الأزمات التي خاضها، وحطّمت آمال الشامتين والمتربصين بالمقاومة، الذين شكَكوا بصواريخ حماس، واتهموها بتدمير القطاع، والإضرار بالقضية الفلسطينية.
ونجحت حماس أيضاً بأن تكون محط ثقة الشعوب العربية وأحرار العالم جميعهم، من خلال مكاشفتهم ومصارحتهم، وعدم ممارسة التضليل والكذب عليهم، فهي تتحدّث جهاراً نهاراً عن خيباتها وهفواتها، كما تتحدث عن إنجازاتها وانتصاراته.
أتخمتنا ماكنة الإعلام الصهيوأمريكيّة بالحديث عن سيناريوهات “غزة ما بعد حماس”، فيما تستمرّ على أرض الواقع حماس بالصمود والمقاومة، وتستمر الحاضنة الشعبية لها بالدعم والمؤازرة، وفي الوقت ذاته لاينفكّ الاحتلال عن ممارسة التضليل باختلاق انتصارات وهميّة، مما قلب المعادلة وفرض على الأرض ما يستدعي التحضير والاستعداد لمرحلة “غزة ما بعد انتصار المقاومة”.
وإن كان الموقف الفلسطيني والعربي و الإسلامي صادقاً برفض الخطة الصهيوأمريكية التي تهدف إلى تهجير سكان غزة إلى مصر، وسكان الضفّة إلى الأردن، فعليه أن يخطو خطوات عملية واضحة وصريحة إتجاه دعم صمود الشعب الفلسطيني في الضفّة والقطاع، والسعي الجاد لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة والربط بينهما ضمن إطار دولة فلسطينية مستقلة، يقيادة وطنية منتخبة، فمعطيات الميدان تشير إلى واقع بقاء غزة بأرضها وأهلها ومقاومتها، وزوال الاحتلال.