ماجد توبه
يبدو ان شهر العسل بين ادارة بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو قد قارب على الانتهاء بعد اكثر من شهرين من الدعم الاجرامي المطلق للولايات المتحدة لللاجرام الصهيوني في حرب الابادة التي تشن على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
التصريحات التي ادلى بها بايدن علنا في احتفال انتخابي مع مؤيديه وكثير منهم من يهود اميركا اول من امس، وحمل فيه بشدة على نتنياهو شخصيا وحكومته ومتطرفيها، الامر الذي يفتح الباب على تطورات عديدة على صعيد مالات الحرب العدوانية على الشعب الفلسطينية، وايضا يشي بتوقع حدوث انفجار قريب بين نتنياهو وبايدن.
وقد جاءت تصريحات بايدن، التي قالت وسائل اعلام اسرائيلية في قراءتها لها ان “بايدن مسّ بنتنياهو لدى الجمهور الإسرائيلي الداخلي، وقال له هذا ليس رئيس الحكومة الذي يجب أن يقودك”، لتتوج مرحلة طويلة من الخلافات مع نتنياهو رغم هذا الدعم الاميركي الاعمى والمطلق لاسرائيل بعد 7 اكتوبر، وتوفير الغطاء السياسي لها، فضلا عن الدعم العسكري والمالي الكبير، الذي انقذ اسرائيل من الانهيار بعد ان تحطمت هيبة اسرائيل وجيشها واجهزتها الامنية وكل اساطير استقرارها وامنها تحت ضربات المقاومة في اليوم المشهود.
السؤال اليوم؛ هو ما الذي تغير حتى يخرج بايدن بانفجار تصريحاته المدوية ضد الحكومة الاسرائيلية؟ وإلى اي مدى يمكن ان تذهب في تداعياتها وتاثيرها على الوضع الداخلي الاسرائيلي وعلى صعيد الحرب المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني؟
لنكن واضحين اولا ان الولايات المتحدة كانت احرص من اسرائيل على تحقيق صورة نصر بعد هزيمة 7 اكتوبر يعيد الردع لاسرائيل والتماسك والثقة الشعبية للمجتمع الاسرائيلي بعد ان ضربت هذه الثقة بمقتل وانعكست سريعا في هجرة نصف مليون اسرائيلي للخارج هربا وربع مليون نزوحا من غلاف غزة من الجليل الاعلى في الحدود مع لبنان، لكن الخلاف بين ادارة بايدن ونتنياهو ومجرمي حربه تمثل في ان بايدن اراد التركيز على القضاء على حماس والافراج عن الاسرى لديها، مع الحرص على عدم الانزلاق الى حرب اقليمية تعيد خلط اوراق المنطقة وتفتح على ما لا يمكن توقعه من اضرار.
فيما انطلق نتنياهو وحكومته وجيشه وفق حسابات مختلفة الى حد كبير عن حسابات بايدن، مستغلين حجم الانحياز الاميركي لاسرائيل، فانطلقت الالة العسكرية الاجرامية الاسرائيلي بحرب غرائزية وابادية للشعب الفلسطيني في غزة، وباتت تتوسع لتطال الضفة الغربية المحتلة والسلطة الفلسطينية، وضغطت اميركا بقوة لعدم الانزلاق بحرب اقليمية مع ظهر رغبة اسرائيلية بفتح جبهة الشمال مع حزب الله وما يمكن ان يجره ذلك من دخول اطراف حليفة له وعلى راسها ايران، وبالتالي غرق اميركا بوحل حرب شاملة يبدو انها لا تريدها اليوم.
باختصار ما دشن بدء التغيير في سياسة بايدن وادارته، هو اولا حجم الابادة وجرائم الحرب الاسرائيلية في غزة، وعدم القدرة على التغطية عليها اكثر، وثانيا الفشل العسكري الاسرائيلي جويا وبريا حيث لم يتحقق اي من اهدافه ويصعب تحقيقها دون ابادة غزة بقنابل نووية، وهي تحرير الرهائن وتفكيك حماس واجتثاثها، وثالثا حاولة استغفال نتنياهو لادارة بايدن بتنفيذ مخطط خطير شبيه بمخطط غزة في الضفة الغربية ومع السلطة الفلسطينية غير عابيء بكلف هذا المخطط امام الراي العام الدولي وامام حلفاء اميركا ولا حسابات بايدن.
بايدن بدا كالزوج المخدوع مع نتنياهو والذي رضي بان ينخدع منذ بداية الحرب لمحاولة السيطرة على قرارات وسياسات نتنياهو وحكومته، لكن هؤلاء لم تعد قضيتهم تحقيق الاهداف الاستراتيجية المتفق عليها مع الولايات المتحدة باستعادة الردع والثقة في اسرائيل، بل باتوا يتحركون، وتحديدا نتنياهو، من منطلق ادامة عمر الحكومة وتحالفها مع المتطرفين الدينيين والهروب من المحاسبة وتحمل مسؤولية ما جرى وابتزاز اميركا والانحياز الغربي دون ضوابط او مراعاة لحسابات الحلفاء.
السؤال الان، الى اي مدى ان يمكن ان تدشن تصريحات بايدن الصادمة في مسار حكومة نتنياهو والحرب؟ تبدو الصور مشوشة حتى الان، فالتصريحات لوحدها لا تكفي لتغيير سياسة نتنياهو واسرائيل، واذا لم تدعم باجراءات عملية من مثل الضغط بتقليل المساعدات ورفع الغطاء السياسي، وايضا الذهاب الاميركي حقا بالتاثير المباشر على المعادلة الداخلية الاسرائيلية فستبقى زوبعة في فنجان.
نتنياهو لن يسلم بهذا الهجوم الاميركي لان ليس لديه مع يخسره وهو الذاهب للسجن اذا وقفت الحرب او سقطت حكومته، وسيكون شعاره “انا ومن بعدي الطوفان”، لكن هذه “الصلابة” المزعومة ستتهاوى امام صمود المقاومة واطالة امد الحرب والغرق اكثر في مستنقع غزة، وتصاعد الغضب الشعبي الداخلي على حكومته، وهي اللحظة الحرجة التي يمكن لادارة بايدن التقاطها وانهاء مستقبل نتنياهو!