ماجد توبه
الوعي قبل الموقف وقبل الارادة.. هذه هي قاعدة الحياة الذهبية للفرد أو للجماعات أو الشعوب. بلا وعي ولوكنت اشجع الشجعان فانت ذاهب للهلاك والخسارة المجانية، وكذا الأمر مع الشعوب فالموقف والفعل دون وعي وتفكر حرث في الهواء، بل وأخطر من ذلك هو حفلة جنون وتدمير للذات واستنزاف لكل مكامن القوة والايجابية في الشعب او الأمة.
بعيدا عن المقدمة الفلسفية، لكن في القلب منها، ونحن نتحسر ونموت في اليوم مائة مرة من حجم العربدة والهمجية الاسرائيلية الاميركية الغربية وهي تعمل في حرب الابادة في الفلسطينيين بغزة والضفة الغربية، وسط عجز عربي غير مسبوق امام هول المجزرة المفتوحة، عجز عربي شعبي وتواطؤ رسمي يعجز حتى عن حفظ ماء الوجه بادخال قطرات الماء والاغذية والادوية والوقود لشعب محاصر ينزل عليه الموت من السماء حمما نارية على مدار الساعة والدقيقة.
نقول قي هذا الوقت، يطرق سؤال الوعي والتاريخ بكل قوة رؤوسنا جميعا.. افرادا وجماعات وحكومات واحزاب ومثققين. لم نصل كعرب ودول عربية في يوم من الايام بتاريخنا الحديث الى هذا الدرك الاسفل من العجز والهوان. خاض الفلسطينيون والعرب حروبا كثيرا مع العدو الاسرائيلي وغيره من مستعمرين في المائة عام الماضية، نعم خسرنا اغلب المعارك مع “اسرائيل” لكنها لم تقسُ على ارواحنا وانسانيتنا كما يفعل هذا العدوان البربري اليوم.
عن أي وعي نتحدث؟ لماذا ضربنا في مقتل قبل ان نصل الى هذا العجز امام الابادة المفتوحة في غزة وفلسطين؟ لنتذكر أولا أن هزيمة عام 1967 امام “اسرائيل” بست ساعات لم تكسر في النهاية ارادة العرب بعد ان زلزلت وعيهم، فذهب عبد الناصر ودول واغلب الدول الفاعلة يومها الى التحضير الجدي لاستعادة الكرامة المهدورة ويكفي ان تعود لقراءة ما كتبه مؤرخو وعسكريو تلك المرحلة من عرب واسرائيليين واجانب ان وعي الهزيمة الصاعقة دفع لبناء اقوى الجيوش في مصر وسوريا والعراق والجزائر بالاستعانة بالاتحاد السوفياتي، وكيف باتت لاءات الخرطوم عقيدة متماسكة للعرب، بانتظار ساعة الصفر.
ثم جاءت نكسة وعي جديدة بعد موت جمال عبد الناصر قبل استكمال استعدادات التحرير، وصعود السادات الذي انقلب على عبد الناصر ومصر وعقيدتها وعاد ليراهن على اميركا وخطاب سلام المهزوم، ولولا ان الجيش المصري العظيم لم يكن ليستطيع السادات ولا غيره الوقوف بوجهه وقد استعد لمنازلة الكرامة الكبرى لما ذهب السادات لحرب 73 مع سورية وبدعم العراق وجزائر هواري بو مدين واغلب الدول العربية، لكن غياب الوعي بقوة هذه الامة والرهان على اوهام السادات المريضة باستمال اميركا، حولت نصر اكتوبر 73 الى هزيمة ذهبت في النهاية بمصر، الدولة العربية المحورية الاولى، خيار الاستسلام بكامب ديفيد لتخرج من معادلة الصراغ مع العدو.
الوعي بقداسة فلسطين ومحوريتها العربية دفعت ايضا السعودية زمن الملك فيصل بن عبد العزيز الى اكبر تمرد على امبراطورية الشر الاميركية وقاد في حرب اكتوبر مقاطعة العرب لتوريد النفط للغرب، لكن السادات الذي ابتلى الله به مصر المحور الاهم بالوطن العربي ضيع كل هذه المواقف والتضحيات ليقلب النصر لهزيمة ما نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.
حادثة اخرى تعكس مدى الوعي القومي الذي كان يردع امبراطورية الشر الاميركية وغربها الذيلي سجلت عراق الشهيد صدام حسين، فعندما قررت اسرائيل في مطلع الثمانينات، اي في عز الحرب العراقية الايرانية، اعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان، بادر صدام فورا بوعي القائد العروبي الى زيارة الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض، ليحثه على ان يعلن العرب ومن عاصمة المسلمين في العالم الى انهم سيقطعون العلاقات مع اي دولة تعتبرف بالقدس عاصمة لاسرائيل وهو ما كان، ولم تجرؤ حتى الولايات المتحدة على مثل هذا الاعتراف، الى ان جاء المهووس الصهيوني دونالد تامب في اكثر فترات العرب مرضا وتفككا ليخرق هذا المبدا ويعترف بالقدس عاصمة للكيان.
في المقال المقبل نكمل كيف خسر العرب معركة الوعي في محطات مهمة تراكمت الى ان وصلنا الى مرحلة ان تباد فلسطين وسط عجز وتواطؤ عربي مخزي!