عبدالرحمن البلاونه
لم تكن تلك الكلمات التي نادى بها سائق حافلة الركوب المتوسطة المتوجهة من دوار المدينة الرياضية إلى مدينة الزرقاء، كغيرها من الكلمات، لا أعلم ما هو الشعور الذي انتابني في تلك اللحظة، فقد شعرت برجفة في اطرافي، بعد أن اخترق كلامه شغاف قلبي، واستقر في وجداني، وكدت أصرخ بصوت عالي، أنا نازل على فلسطين، ولم أقصد الوجهة التي قصدها السائق وهي ” كازية فلسطين ” بل كنت اعني فلسطين، الدولة العربية المحتلة التي اغتصبها العدو الصهيوني، ودنس مقدساتها، واخذتني الأفكار التي تدافعت في عقلي وقلبي، وشرد الخيال بي، ووجدت نفسي في فلسطين، لكن ماذا أفعل ومن أين أبدأ؟ هل ألتحق بالمجاهدين لمقاومة الصهاينة المحتلين، أم أتوجه إلى أسر الشهداء لتقديم واجب العزاء، ومواساتهم بمصابهم الجلل، أم أتوجه إلى المستشفيات التي قصفها الأعداء، لمساعدة الكوادر الطبية التي انهكها التعب، ولم تعد تقوى على تقديم الخدمات الصحية والطبية للجرحى، بسبب الاعداد الكبيرة من المصابين الذين قصفتهم قوات الاحتلال، لم أكن أمتلك الوقت الكافي لتنفيذ كل ذلك، فقد ارتأيت أن أذهب أولاً لمساعدة الكوادر الطبية في المستشفى، وهناك فرصة لمواساة المرضى، وتقديم واجب العزاء بالشهداء، لكن وللأسف الشديد، لم أمكث بالمستشفى طويلاً بسبب نفاد المستلزمات الطبية والأدوية، فقررت مغادرة المستشفى، وتوجهت إلى أحد فصائل المقاومة، والتقيت بقائده الذي احتضنني بعد أن علم أنني قادم من الأردن لمساعدتهم، والوقوف إلى جانبهم في مواجهة العدو الصهيوني، الذي طغى وتجبر، وقتل الأطفال والنساء، وامتلأت عيناه بالدموع وقال لي نحن نعلم أنكم السند الوحيد لنا بعد الله، ونعلم أنكم لن تتخلوا عنا ولن تتركونا في هذه المحنة بعد أن تخلى عنا القريب والبعيد، ومنعوا عنا الماء والغذاء والدواء، وتركونا وحيدين في مواجهة الأعداء، وطلبت منه اعطائي قاذف ال RPG الذي اتقن استخدامه، وجلست قريباً من باب النفق الشمالي، وبعد أقل من خمس دقائق، سمعت هدير إحدى أليات العدو، واذا هي دبابة ” الميركافا ” التي طالما سمعنا عن قوتها ومواصفاتها وتصفيحها الأسطوري، وأردت في تلك اللحظة أن أنسف هذه الأسطورة، وادمر الدبابة التي لا تُقهر، وما أن اطلقت القذيفة في المنطقة الواقعة ما بين جسم الدبابة والبرج، حتى تناثرت أجزاءها، وتناثرت أشلاء من فيها من الجنود، وأصبحت كتلة ملتهبة، وبينما كنت استعد لأطلاق القذيفة الثانية على ناقلة الجند من نوع النمر التي كانت قريبة من الموقع، فإذا بسائق الحافلة يضع يده على كتفي ويقول بصوت منخفض والابتسامة على محياه، أين وصلت يا رجل؟ لقد وصلنا المجمع وانتهت رحلتنا، فخفت أن أخبره بأنني كنت في فلسطين أقاوم المحتلين خشية أن يعتبرني قد فقدت عقلي أو جُننت، غادرت الحافلة والسعادة تغمرني، لأنني شفيت غليلي ودمرت الدبابة التي لا تُقهر