ماجد توبه
فيما ينشغل العالم بحرب الإبادة التي تنفذها قوات الإحتلال الإسرائيلي بغزة ، تشهد الضفة الغربية المحتلة عدوانا همجيا لا يقل ضراوة عما تشهده غزة من حيث النتائج والمخططات التي يرسمها الاحتلال ويعتقد ان الفرصة حانت لتنفيذها على الجبهتين، لناحية الاستيلاء على المزيد من الأراضي وتهجير الفلسطينيين وردعهم بهول الجرائم المرتكبة.
واضح أن الاحتلال، الذي اثخنته عملية 7 اكتوبر وضربت ثقته بنفسه، والصمود والثبات الفلسطيني بغزة وبقاء المقاومة فاعلة وقادرة على الحاق الخسائر اليومية به، نقول واضح ان هذا الاحتلال يسعى بحسب العديد من المؤشرات إلى استغلال الفرصة لشن عدوان آخر، ربما بأداوت مختلفة نسبيا عما يفعله بغزة، على الضفة الغربية، بل هو يشن مثل هذا العدوان بصورة متواصلة زادت وتيرتها وارهابيتها منذ اندلاع طوفان الأقصى.
حصيلة العدوان على الضفة فادحة جدا، لكنها تذوب بالصورة العامة لما يجري بقطاع غزة، فأكثر من 200 شهيد ارتقوا بالضفة منذ 7 اكتوبر واكثر من ذلك جرحى ومصابين، ومئات المعتقلين اقتيدوا لمعسكرات الاعتقال، التي تحولت لمعتقلات نازية بكل ما للكلمة من معنى. كذلك حوصر مواطنو الضفة اقتصاديا بابشع الصور، حيث حرم عشرات الالاف من العمل وجني الرزق منذ 7 اكتوبر، وهؤلاء وما يجنونه من اجور تحرك الاقتصاد الفلسطيني حيث توقف ذلك الان، ناهيك عن توقف مواطني الـ 48 من القدوم لمناطق الضفة وتحريك اقتصادها المتداعي اصلا.
زد على ذلك الحصار المالي والاقتصادي الكامل على السلطة الفلسطينية، حيث تمنع اسرائيل تحويل الاموال الفلسطينية عبر المقاصة للسلطة ما اوقف رواتب الموظفين وخدمات عديدة.
طبعا الأخطر على هذا الصعيد، هي حرب المستوطنين المنفلتين من كل عقال، ممن باتوا يشكلون ميليشيات دموية بدعم ورعاية حكومية اسرائيلية، ومن بين نحو 800 الف مستوطن بالضفة تم حتى الان تسليح نحو 150 الفا منهم باسلحة اوتماتيكية، والهدف المعلن للاحتلال هو الوصول الى تسليح 250 الفا منهم، هؤلاء يمارسون العربدة والاعتداء اليومي على القرى الفلسطينية المحاددة للمستوطنات خاصة في نابلس كحوارة وتل وغيرها، اضافة الى الاعتداء والقتل للفلسطينيين في اراضيهم وشوارعهم.
السيناريوهات التي باتت تتسرب لحرب المستوطنيين بدعم من حكومة الاحتلال تشير الى مخططات لافلات هؤلاء المستوطنين المسعورين على قرى ومناطق فلسطينية عدديدة بهدف تهجير اهاليها للمدن الكبرى المضغوطة اصلا، وذلك ضمن مخطط اوسع يحلم فيه الصهاينة بدفع اعداد كبيرة من فلسطينيي الضفة للتهجير والترانسفير للاردن وغيرها. وبات متوقعا ومرتقبا ان يصعد جيش الاحتلال عملياته الدموية ايضا في الضفة الغربية لتسند اعتداءات المستوطنيين.
اسرائيل، التي كانت تنفذ اجراءاتها العدوانية بالضفة بالضم وتوسيع المستوطنات وتحويل الضفة الى كانتونات ومنعزلات بصورة هادئة نسبيا مع ممارسة الكثير من التضليل والخطاب الناعم لم تعد تكترث بتقديم مثل هذه الصورة للراي العام الدولي في ظل التواطؤ الامريكي والغربي والعجز العربي، وتشير العديد من المؤشرات والتسريبات الى انها تعد امرا خطيرا للضفة.
نعم.. الصورة قاتمة ومقلقة لناحية ما تعده اسرائيل للضفة، لكن ما فاتها انها تُمنّي النفس وتحلم بانها قادرة على الخروج سريعا من وحل غزة وكسر ارادة المقاومة والثبات ليس للمقاومة فقط بل للشعب الفلسطيني بغزة، والايام وتاريخ الشعوب وتاريخ الشعب الفلسطيني سيثبت لهم ان هذه اوهام واحلام ستتحطم على صخرة الواقع.
اما في الضفة الغربية، صحيح انها لا تملك مقومات المقاومة المسلحة كما في جبهتي غزة وجنوب لبنان، لكنها تملك من ادوات المقاومة الشاملة والثبات والصمود الكثير الكثير، لقد جربتهم اسرائيل في الانتفاضتين الاولى والثانية، وفي الاولى لم يستخدم الفلسطينيون السلاح بل الحجر والمقاومة السلمية وانتصروا على جبروت الالة العسكرية الاسرائيلية، كما ان الظروف السياسية والاعلامية التي توفرت للاسرائيليين يوم 7 اكتوبر واستطاعوا من خلالها خطف الراي العام الدولي لصالحهم لا تتوفر في الضفة الغربية.
ويبقى الرهان اولا واخيرا.. على الشعب الفلسطيني وصموده وتمسكه بارضه، وتعلمه الدرس الأقسى في حياته من هجرته في النكبة، وهو درس ان لا كرامة للفلسطيني خارج ارضه، وقد بات ذلك ايمانا وقناعة راسخة للشعب الفلسطيني تمده بعزيمة النضال والتضحية.. حتى النصر.