ماجد توبه
وأخيرا.. احتل جيش “إسرائيل” العظمى مجمع الشفاء الطبي بقلب شمال غزة، تمكن عشرات آلاف الجنود وآلاف الدبابات والطائرات والصواريخ من تحقيق نصر استراتيجي في الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة.. وهاهم مئات الأطفال الرضع والخداج ومرضى السرطان والفشل الكلوي والمثخنين بجراح القصف على مدى أربعين يوما يقعون أسرى بيد القاعدة المتقدمة للحضارة الغربية في منطقتنا.
يحق للإسرائيليين ومن خلفهم الأميركان اليوم الاحتفال طويلا بعد هذا النصر المؤزر، فقد سقطت قلعة مستشفى الشفاء ورفع الرضع والخداج رايات الاستسلام والقوا السلاح من أيديهم.. ولا بأس الان من اخذ الصور والتذكارات من فوق ما تبقى من حاضنات الخداج وأجهزة غسيل الكلى، وليبعثها الجنود الأبطال عبر الواتس اب إلى حبيباتهم وأسرهم في تل ابيب والنقب، ليعلموا إنهم اتقنوا الانتقام لإسرائيل وحققوا الانتصار الكبير.
هل بقي مستشفيات اخرى في غزة؟ هل بقي رضع وحاضنات خداج ومرضى وجرحى ينازعون على ما تبقى من أجهزة العناية الحثيثة التي فقدت الكهرباء والطاقة؟ ربما بقيت أشلاء من هذه المستشفيات، فإذا الحرب مستمرة حتى آخر رضيع إرهابي.
قادة إسرائيل المتحضرة في بحر الهمج العربي يعرفون ما يريدون لهؤلاء الجنود أن يحققوه.. فليست المشكلة فقط بمقاتلي المقاومة بغزة، بل هي في نسل الفلسطينيين.. المشكلة إستراتيجية وليست احتلالا لغزة.. هي في اقتلاع الطفل والخداج والجنين قبل الكبير من جذوره.
الهدف “استراتيجي” بصورة اكبر مما اعلنوا حتى الان من قضاء على حماس واحتلال غزة وتهجير الغزيين.. الهدف هو إرسال رسالة حمراء وسوداء ليس للفلسطينيين فقط بل لكل العرب وحتى للعالم.. أن ها هنا إسرائيل وجيشها “الذي لا يقهر”.. صحيح انه قهر في 7 اكتوبر.. لكن الصورة يجب ان تجتث من ذاكرة الإسرائيليين والعالم كله.. لتحل محلها صورة التدمير الشامل للقطاع وأكوام الجثث الفلسطينية.. ولصورة الاسرى الرضع والخدج الذين يجب ان يعلم الجميع انهم لن ينفذوا من انتقام الدولة السوبر.
“نحن محظوظون”.. هذا لسان حال نتنياهو وقياداته السياسية والعسكرية وهم يتوجون نصرهم باعتقال الرضع والخدج بعد ان قتلوا منهم الكثير.. فامريكا والغرب متفهمون وداعمون لكل خرق لقواعد القانون الإنساني وكل القيم الدينية والانسانية.. وهم محظوظون لان الدول العربية من المحيط الى الخليج ينتظرون مع المنتظرين مشاهدة نهاية ملحمة “النصر” الاسرائيلية واسقاط تمثال عروبتهم في خراب ساحة الشفاء.. يعجزون حتى عن إنزال قطرة مساعدات وحليب رضع تملأ بطون الخدج في انتظار انتهاء النصر الإسرائيلي وأسر ما تبقى من هؤلاء الرضع.
نعم.. هو الانتصار الإسرائيلي الماحق يتحقق اليوم في مجمع الشفاء الطبي، حيث يوميء الخدج والرضع بايماءة الاستسلام للجندي الاسرائيلي المدجج بكل سلاح الأرض فوق رأسه.. لن يرف لبايدن ولا لنتنياهو جفن أمام انتقادات المصدومين في هذا العالم من هول ما يروه من “معركة” بين جيش كبير وأطفال خدج ورضع في أروقة المستشفى وممراته.. فالمهم هو تحقيق الهدف “الاستراتيجي” لإسرائيل.
لكن عن اي هدف يتحدثون؟! انه هدف العابرين في تاريخ هذه المنطقة.. وهذه الفلسطين.. هو هروب المجرم المكسور حتى النخاع أمام هزيمة 7 اكتوبر من صورة وجهه في المرآة.. هو هدف العاجز والمهزوم في أعمق أعماقه الذي يعرف أن كل ما بناه على مدى 75 عاما من الاغتصاب والاحتلال والمجازر والمكابرة المرضية لم يحم ولن يحمي من لحظة الحقيقة التي تقترب يوما بعد آخر.. بأن هذا الكيان زائل ويحمل في داخله من اسباب التفسخ والاندحار التاريخي كل المقومات.. وان عراة وفقراء ومحاصري غزة استطاعوا بأربع ساعات في 7 اكتوبر نخر أساسات وهم القوة والاستمرار.. ليتذكر كل إسرائيلي رغم مكابرتهم المرضية اليوم أنهم سيبقون عابرين لهذه الأرض وأن المستقبل هو لأبناء ولحفاء من سيتبقى من أجنة ورضع وخداج الفلسطينيين.