ماجد توبه
رغم كل الألم والغضب الذي غمرنا ونحن نتابع ليلة الاثنين المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة عبر قصف وحشي غير مسبوق لم يترك بقعة بالقطاع إلا وطالها بإجرامه، فقد جاء خبر إنزال الأردن لحمولة طائرة عسكرية من المساعدات الطبية للمستشفى الميداني الاردني بغزة كبقعة ضوء وأمل بقدرة هذا البلد الصغير بحجمه والكبير بدوره وأهله وقيادته على ابتداع كل السبل والحفر بالصخر لمساندة صمود الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة.
لا يمكن لأحد أن يقلّل من أهمية توريد حمولة الطائرة الأردنية الإغاثية لغزة صباح هذا اليوم في ظل عجز كل العالم بدوله ومنظماته الإنسانية عن إدخال المساعدات الإغاثية لغزة عبر معبر رفح، إلا بالقطارة.
وتأتي هذه الحمولة الطبية الأردنية في وقت مصيري حيث ينفذ الدواء والمستلزمات الطبية والوقود من مستشفيات القطاع في ظل الحصار النازي الإسرائيلي واستهداف القطاع الصحي بصورة غير مسبوقة في الإجرام.
لا شك أن بقاء المستشفى الميداني الأردني وتزويده بالقدرة التشغيلية اليوم سيوفر جزءًا مهمًا من حاجة الأشقاء الفلسطينيين للعلاج وسيحمل عبئا كبيرا عن المستشفيات الغزاوية الأخرى، التي تستنفذ قدراتها وإمكانياتها.
ونسمح لأنفسنا أن ندعو مصر، وهي الدولة الأكبر عربيا وذات الدور المحوري، إلى الاقتداء بالأردن بابتداع كل السبل والضغط بكل وزنها وقوتها فقط لإدخال المعونات الإغاثية المتراكمة بالجانب المصري من المعبر، وهذا اقل الواجب الذي لا يمكن تصور أن إسرائيل ستضحي بعلاقتها مع مصر في سبيل تمريره لها!
وعودة للدور الأردني بمواجهة حرب الإبادة في غزة، ينخرط الأردن بكل قوة في جهد سياسي ودبلوماسي وإعلامي على المستوى الدولي وكأنه يخوض حربا على هذه الجبهة لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية على الأرض التي تملك مفاتيحها إسرائيل، وتأتي زيارة جلالة الملك اليوم إلى بروكسل للقاء قادة حلف الناتو ومسؤولين أوروبيين ضمن هذه الحرب الدبلوماسية المتواصلة أردنيًا على مدار الساعة لفتح هوة بجدار الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل وحربها المجرمة.
التغير في الرأي العام العالمي تجاه حقيقة ما يجري من إبادة في غزة بات ملموسا ومتعاظما يوما بعد يوم، ومن الظلم إنكار دور الأردن المحوري، المترافق مع صمود أهل غزة وبشاعة المجازر الاسرائيلية، في تحقيق هذا التغير الايجابي على موقف الرأي العام الدولي، فقد التقى او اتصل جلالة الملك بعشرات القادة للضغط باتجاه وقف الحرب، كما خاضت وتخوض الدبلوماسية الأردنية ووزيرها النشط والكفؤ ايمن الصفدي المعركة بكل كفاءة ومثابرة، وكان ابرز محاطتها المضيئة صدور قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة الأخير بالدعوة لوقف اطلاق النار وادانة جرائم الحرب الاسرائيلية.
من تابع قيادة الصفدي للقاء العربي مع وزير الخارجية الأمريكي في عمان قبل ايام، لمس حجم الجهد الاردني والادارة الحصيفة لمحاصرة الموقف الامريكي المنحاز والتصدي بدبلوماسية متمكنة لتعرية الخطاب الاميركي امام الاعلام والرأي العام العالمي دون الاصطدام المباشر مع هذه القوة العظمى.
ويكفي الأردن إنجازا في هذه المعركة دوره الاعلامي المحوري على جبهة الراي العام الدولي، والتي يتقنها جلالة الملك بوزنه وحضوره العالمي. كما كان لافتا ان جلالة الملكة رانيا وجدت نفسها منخرطة بكل قوة بالمعركة الاعلامية بظهورها مرتين في اهم مؤسسة اعلامية امريكية وعالمية، سي أن أن، وغيرها، لتخاطب الراي العام الامريكي والعالمي بخطاب أنساني مؤثر ومنتج بتغيير القناعات المشوهة والتضليل الذي رافق الحرب على غزة.
لا يمكن اعطاء الاردن حقه في هذه المساحة الصغيرة واستعراض دوره الكبير والمثابر في اسناد الشعب الفلسطيني ووقف المجزرة المفتوحة بحقه