جرش تنبض بقصة ترويها حياة محمد العياصرة الذي وهبها لرعاية وحفظ كتاب الله
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في ريف قرية “ساكب” الواقعة في مدينة جرش تنبض قصة إنسانية رائعة، ترويها حياة محمد العياصرة، والذي يبلغ من العمر 75 عامًا، حينما قرر أن يخصص حياته لرعاية وترميم المصاحف والكتب الدينية التالفة.
قد يظهر ما يقوم به العياصرة كمهمة بسيطة، ولكنها تحمل رسالة عميقة تتعلق بالتفاني والعطاء وحب الله.
“أبو زكريا”، كما يعرف بكنيته، يشكل قصة ملهمة للجميع، على الرغم من أنه لم يكمل تعليمه الجامعي في مجال علوم الدين أو ما يشابه ذلك، إلا أنه حمل شغفًا عميقًا بالمصحف في قلبه.
توقف “أبو زكريا” عن دراسته في المرحلة السابعة عام 1966، ولكنه لم يتوقف عن متابعة شغفه بالمصحف بدلاً من ذلك، قضى سنوات عديدة في الخدمة العسكرية حتى وصل إلى سن التقاعد.
بدأت مبادرة العياصرة في عام 1970 عندما شاهد ورقة مصحف ملقاة في منطقة قذرة، وهذا المنظر أثر فيه بشكل كبير ودفعه إلى القيام بخطوة أولى نحو ترميم المصاحف وحمايتها من الرمي والتلف.
ويروي العياصرة لـــ”صدى الشعب” تفاصيل عمله الجاد في جمع الكتب والمصاحف القديمة ويشير إلى أنه كان يجوب جميع المحافظات بسيارته الخاصة قبل أن يتم تقديم سيارة جديدة من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني قبل عامين لدعم مشروعه.
يعمل العياصرة بلا كلل أو ملل، حيث يمضي يومه الطويل في مكتبة صغيرة تحتوي على 150 رفًا مخصصة للكتب والمصاحف، والعياصرة يحتفظ بالمصاحف التالفة التي يجدها ويقوم بإعادة ترميمها بعناية فائقة، ومع مرور السنوات، نجح العياصرة في ترميم نحو 200 ألف نسخة مصحف.
ووفقًا للعياصرة، يقوم بإتلاف ما لا يمكن إصلاحه بطريقة شرعية، وخصوصًا المصاحف.
ولهذا الغرض، قام بإنشاء بيت نار يتسع لستة آلاف نسخة من المصاحف، وبعد حرقها يقوم بدفن الرماد في منطقة نظيفة تحترم قدسية الكتب الدينية، حتى لا تُداس بأرجل الناس.
لم تقتصر مبادرة العياصرة على حفظ المصاحف المحلية فقط، بل امتدت لتشمل العالم بأسره، بفضل تكلفة ترميم منخفضة وجهد دؤوب، تمكنت المبادرة من تصدير نحو 21 ألف نسخة مصحف إلى الدول الإفريقية المحتاجة ويجهز في الوقت الحالي لتصدير 10 آلاف نسخة من القران الكريم، وهذا ما ساهم في توفير هذه الكتب الدينية الهامة للمسلمين هناك.
قصة العياصرة لا تقتصر على جهوده الفردية، بل تشمل دعم عائلته الكبيرة، زوجاته الاثنتين وأبناءه وبناته الــ16 يقفون بجانبه، مشاركين في المهمة النبيلة للحفاظ على المصحف الشريف ونشر كلمة الله.
تأتي فكرة المبادرة “صرخة عامل نظافة” بهدف تسليط الضوء على أهمية الكتب الدينية والمصاحف، وتحفيز الناس على الاهتمام بهذا الإرث الديني والثقافي الهام.
وفقًا لما ذكر العياصرة، يُقدر تكلفة الترميم بحوالي 300 دينار أسبوعيًا لوقود السيارة، بالإضافة إلى 75 دينارًا لأجرة المكان و70 دينارًا لمواد اللاصقة، ولكن العياصرة لا يسعى للربح المادي من هذا العمل، بل هدفه الوحيد هو خدمة القرآن الكريم والحفاظ على كتاب الله.
ويمثل محمد العياصرة ومبادرته المثال الحي على العطاء والتفاني في خدمة الدين والمجتمع، وإنهما يلهمان الكثيرين للمشاركة في هذا العمل النبيل والمساهمة في الحفاظ على كلمة الله ونشرها حول العالم، والعياصرة ليس فقط حافظًا للمصاحف بل هو حافظ للقيم الإنسانية والروحية التي تمثل أساسا للتسامح والمحبة في العالم.