محمد البطوش
في عصرٍ تسيطر فيه التكنولوجيا على حياتنا، نجد أنفسنا محاصرين بين متناقضين: الذكاء الاصطناعي البارع والغباء البشري المدهش. إنه كما لو أننا في سباق بين الطائرة الخارقة و الدراجة ذات العجلتين
بدأت ملامح هذا الصراع حينما قرر مبرمجو الذكاء الاصطناعي إنشاء “روبو-كافيه”، يقوم بتحضير القهوة بكميات دقيقة وفقًا لأحجام الأكواب ودرجات الحرارة المحددة. وفي نفس الوقت، يبدو أن البشر لا يزالون يتعثرون في محاولاتهم لتحضير فنجان قهوة مقبول. قد تكون أصابعهم متشابكة بسبب النعاس الصباحي، مما يجعل من الصعب عليهم وضع الكوب في المكان الصحيح حتى لو كان الروبوت قد وضعه أمامهم
وماذا عن تلك التجارب المحرجة حينما يختار الذكاء الاصطناعي أشياء لنا تناسب أذواقنا بنسبة 99٪ في حين نجد أنفسنا قد اشترينا سترة تناسبنا بصعوبة بالغة وتبدو وكأنها تأتي من عصور ماضية؟ إنها حقًا معركة بين الدقة والتوجس
لا يمكننا أن ننسى أيضًا تلك المواقف المضحكة عندما يحاول البشر تدريب الذكاء الاصطناعي على التمييز بين الأشياء. في حين يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل ملايين الصور في ثوانٍ معدودة، يجد البشر أنفسهم يصفون صورة لكلب بأنها “أرنب بلا أذنين”!
فنجد أنفسنا غارقين بين الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه الحساب والتنبؤ بكل شيء بدقة، والغباء البشري الذي يضفي جوًا من التشويش والترتيبات العشوائية على حياتنا. وهكذا، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للروبوتات تدبير حياتنا بنجاح، أم أننا سنظل نحن، البشر، عباقرة الغباء المتنقل؟
ويشهد العصر الحالي تحولات جذرية في مفهوم الذكاء وكيفية تطويره، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا متزايد الأهمية في حياتنا، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققه الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، فإنه يبقى مصدر تساؤلات حول تأثيراته على البشرية وما إذا كان سيكون له تأثير على مفهوم الغباء البشري.
الذكاء الاصطناعي، وبالتحديد التعلم العميق وتقنيات تعلم الآلة، قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات واستخلاص أنماط وتحليلات دقيقة، هذا التقدم يفتح أمامنا أبوابًا لا حصر لها من الفرص، من تحسين الرعاية الصحية والتنبؤ بالظواهر الطبيعية إلى تحسين التصميم وتقليل استهلاك الطاقة. ومع ذلك، هذا التقدم يطرح أيضًا تحديات، بما في ذلك قلق من فقدان الوظائف التقليدية والقضايا المتعلقة بالمجتمع
ومع تزايد مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية استخدامه من قبل البشر فإن هذا يدل على أن الإنسان لا يزال معرضًا للأخطاء والقرارات السيئة، ما يعكس الغباء البشري، وإن العوامل النفسية والثقافية والاجتماعية تلعب دورًا في صياغة القرارات البشرية، وقد يتسبب التعصب أو الضغوط النفسية في اتخاذ قرارات غير منطقية وغير مجدية.
تتقاطع هذه التحولات في عالم الذكاء الاصطناعي والغباء البشري، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز قدرات البشر من خلال توفير أدوات تساعدهم على اتخاذ قرارات أفضل مستندة إلى بيانات دقيقة، ومن الضروري أيضًا توجيه جهودنا نحو تطوير الذكاء الاصطناعي بأخلاقيات قوية تحقق التوازن بين الفوائد والتحديات.
في الختام، يشكل الذكاء الاصطناعي تحولًا تكنولوجيًا هامًا يعزز من إمكانيات البشر ويجعلنا نعيد تقييم مفهوم الذكاء والغباء، ويتطلب منا أن نكون واعين للتأثيرات المحتملة وأن نتبنى نهجًا مستدامًا يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يعزز من إبداعنا وتطورنا كأفراد ومجتمع.