نورالدين نديم
يعود قانون الجرائم الإلكترونية -المثير للجدل- للواجهة من جديد مع إدارج مشروع تعديل له على جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الأردني.
ورغم اعتراض قطاعات واسعة من الأردنيين على بعض مضامينه، المقيدة لحريّة العمل الاعلامي، وحريّة التعبير وحق المواطن في المراقبة والإشارة لخطأ المسؤول ونقده، إلا أن الحكومة مصرّة على طرحه بصورته المتشدّدة فيبنودهوعقوباته المغلّظة.
مشروع التعديل المقترح لعام 2023 أحاله مجلس النواب للجنته القانونية لبحثه ودراسته والتنسيب برأيهم للمجلس.
فالكرة الآن في ملعب مجلس النواب، الذي يفترض فيه أن يرفض أي بند يقيّد الحريّات الإعلامية وحق المواطن في الإشارة للخطأ ونقد أداء المسؤول.
تكمن خطورة التعديلات المقترحة، بتضمنها عقوبات مبالغ فيها تجمع بين الغرامة والحبس، والغرامة المغلّظة التي تذهب لخزينة الدولة ولا تذهب للمتضرر حسب بعض المحللين، بالإضافة إلى ما كان يستخدم فيه القانون كسيفٍ مسلّطٍ على رقبة كل من يعارض أو يكتب برأي أو تحليل يخالف التوجه الحكومي.
سيكون لهذه التعديلات إن تمّت أثراً سلبيّا على ترتيب الأردن في مؤشر الحريّات العالمي، المتراجع اصلاً بسبب أزمة المعلمين من جهة، والتعامل مع الصحفيين، الذي تسبب فيما مضىفي وضع الأردن على لائحة أعداء حرية الصحافة، من جهة أخرى.
وهذا لا يعني أننا بأي حال من الأحول ندعم أو نؤيد ما يحدث من استغلال البعض لمواقع التواصل الاجتماعي على أرض الواقعمن ابتزاز للنّاس، واغتيال الشخصيّات والاساءة لهم.
فنحن مع التصدّي ومكافحة(التنمر الالكتروني، واغتيال الشخصيّات، والمساس بالأعراض، وانتهاك الحياة الشخصية للأفراد والمؤسسات، ونشر الإشاعة..)
لكن ذلك لا يبيح لنا الخلط بين موقع المسؤولية والصفة الاعتبارية التي هي عرضة للمراقبة والنقد والمساءلة، وبين ذات الشخص الذي يشغر الموقع وحياته الخاصة، فلا يحق لنا أن نقيّد حريّة العمل الصحفي،ولا أن نحصّن المسؤول، ولا أن نجرّم الإشارة إلى خطأ المؤسسات ونقد أدائها.
فبعض البنود التي تضمنتها هذه التعديلات المقترحة تتعارض والتوجه لتمكين الإصلاح السياسي وتهيأة المناخ الديمقراطي لاستيعاب الحياة الحزبية وتفعيل مشاركة الجميع فيها.
الأنظارتتوجه حاليّاً إلى اللجنة القانونية في مجلس النواب، والتي يأمل الجميع أن تتعامل بحكمة قانونية ونظرة مجتمعية، ومسؤولية إتجاهالحريّات الاعلاميّة، وحق المواطن في التعبير.
فتعالج الخلل البيّن والواضح في مشروع القانون المعدّل لقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023م والذي اخطأت بتضمينه الحكومة دون استمزاج لرأي أصحاب الاختصاص، أو التشاور مع نقابة الصحفيين.
إن قانون الجرائم الإلكترونية تم تشريعه بداعي تنظيم واحتواءالانفجار المعلوماتي والتكنلوجي الحاصل، والتصدي لحالات الاستعمال السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، مما استوجب تجريم بعض الأفعال ومعاقبة مرتكبيها تحقيقاً للردع العام والخاص.
وجرت العادة أن تكون القوانين العقابية لها طابع التدرج في العقوبة، والتفريد العقابي، وهذا رغم اعتراض البعض على بعض بنود القانون واستعمالاته في فرض قيود على الحريات الصحفية والاعلامية،الا أن التعديلات المقترحة زادات الطين بلّة وتجاوزت ذلك باقتراحها الحبس والغرامة معاً وبصورة مغلّظة، وبتشديد أكبر من السابق على الحريات.
فلم تراعي التعديلات المقترحة احتمالية الخطأ في العمل الصحفي، بل افترضت القصد وسوء النية.
وتجاهلت وجود قوانين أخرى تعالج حالات الإساءة وانتهاك الحياة الشخصية، وتوسعت على حساب تلك القوانين، وتجاوزت حدود المنطق في تقييد حرية الصحافة.
وللتذكير فمشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، يلزم منصات التواصل الاجتماعي في الخارج، التي لديها أكثر من مئة ألف مشترك في المملكة فأكثر، بإنشاء مكتب لها في الأردن للتعامل مع الطلبات والإشعارات الصادرة عن الجهات القضائية والرسمية الأردنية.
كما ينص على أنه في حال عدم التزام هذه المنصات بذلك، فسيتم إخطارها من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بوجوب الامتثال لما سبق بيانه خلال مدة لا تزيد عن ستة أشهر تبدأ من تاريخ إرسال ذلك الإخطار.
فهل سنشهد مرحلة غير مسبوقة من التضييق على الحريّات، أم سيتم ترشيد القانون وتشذيبه، للحفظ الحقوق ويردع المسيء بحكمة وتوازن.
بانتظار ما ستخرج به اللجنة القانونية في مجلس النواب وما سيصوت عليه النواب في قادم الأيام.