تقرير – ندى جمال
احتفل بالأمس محرك البحث العالمي جوجل بذكرى ميلاد الكاتب الروائي عبد الرحمن منيف التسعون، الذي يوافق 29 أيار من خلال نشر صورة كرتونية له عبر جداريته تكريماً له على ما قدمه من إسهامات كبيرة في الكتابة الأدبية الثورية المناهضة للحكومات العربية في منتصف وأواخر القرن الماضي، حيث يعد أحد الكتاب الروائيين المنفيين سياسياً، وأحد أبرز الأدباء العرب في القرن العشرين، ما فمن هو عبد الرحمن منيف الذي تحتفل به جوجل.
ولد عبدالرحمن منيف في العاصمة الأردنية عمان في 29 أيار 1933، ويرجع نسبه إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة بمنطقة القصيم لأب سعودي وأم عراقية، وكان والده أحد كبار التجار المشهورين ببيع العقيلات والسفر بين الشام والقصيم، ونشأ في عمان وبها تلقى تعليمه الابتدائي حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، وفي عام 1952 غير وجهته إلى العاصمة العراقية لدراسة الحقوق في جامعة بغداد لكن لم تكتمل خطته، حيث تعرض للطرد على خليفة نشاطه السياسي، ومن بغداد إلى جامعة القاهرة لاستكمال دراسته، قبل أن يغير وجهته مرة أخرى إلى بلغراد في عام 1958 لمواصلة دراساته قبل أن يحصل على رسالة الدكتوراه في اقتصاديات النفط.
وبالنسبة لرحلته العملية بدأ عبد الرحمن منيف في عام 1962 أول وظائفه في الشركة السورية للنفط في دمشق، ومن النفط للصحافة انتقل منيف للعمل في مجلة البلاغ في بيروت عام 1973، وبعد عامين عاد مجددا إلى بغداد ليجمع بين الصحافة والنفط من خلال عمله في مجلة النفط والتنمي،وتنقل الكاتب الراوئي السعودي بعد ذلك ما بين العراق وفرنسا ودمشق قبل أن يستقر بها من عام 1986 ويكرس حياته للكتابة الأدبية.
وفيما يتعلق بنشاطه السياسي خاضها عبد الرحمن منيف خلال مرحلة مهمة من تاريخ العراق، ولكنه ما لبث أن اُبعِد بعد توقيع حلف بغداد عام 55م من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب، حيث مارس العمل السياسي الحزبي خلال فترة انضمامه لحزب البعث العربي الاشتراكي وأصبح عضواً في القيادة القومية زمناً ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية (الحزبية) بعد مؤتمر حمص عام 62م، وقد ظل مناوئاً للأنظمة العربية “بشقيها الملكي والجمهوري” بعد هزيمة 67م التي كان لها آثراً بالغاً في نفسه ليبدأ ممارسة السياسة ولكن هذه المرّة عبر العمل الأدبي، ثم عاد مرة أخرى إلى العراق عام 75م بعدها غادر مرة أخرى إلى فرنسا عام 81م ‹متفرغا للكتابة› خلال بدايات الحرب العراقية الإيرانية، وقد صرّح في وقت لاحق أنه لم يكن مقتنعاً بقضية هذه الحرب، لأنها كانت حرباً مجانية، وليس لها ما يبررها، وبالتالي ليس لأحد أن يتفق معها. بقي إلى آخر أيامه معارضا للإمبريالية العالمية وظل رافضا للغزو الأميركي للعراق سنة 2003 ولكل ما ترتب عليه، رغم معارضته الشديدة لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وكرّس نضجه الفكري والثقافي العام لممارسة الكتابة الروائية التي بدأها بعد أن بلغ الأربعين من عمره، ما جعله يصنع لنفسه خصوصية أدبية مبكرة ‹خلال تلك المرحلة المتأخرة نسبياً من حياته،› وعالما روائيا سرديا معقدا، وضع فيه خلاصة رؤيته للحياة، وقد ركز اهتماماته على حرية الإنسان، وما يجب أن تكون عليه هذه الحرية. والمتتبع لأعمال مُنيف يجد أنه قد أضاء فضاءً فسيحاً في جوانب هامة من الرواية ‹السياسية› العربية وتناول فيها أشكال وأنماط جديدة لم تعهدها من قبل.[20] طوّر في رواياته مقومات التعبير النفسي ‹الباطني› العميق، فالتقط الانفعالات الإنسانية ‹لحظة وصولها إلى سطح الوعي› في صورتها الأولى، كذلك استيعابه الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة المعاصرة، سيما وأنه كان على اتصال مستمر مع ما تنتجه من دراسات ومصطلحات علمية حديثة، مفيداً منها ما ينسجم مع الثقافة العربية، إلى جانب إعطائه مسافة كافية لخصوصية هذه الثقافة ونتاجها في الأدب والنقد.
أدرج في المكتبة العربية ما يزيد على ثلاثين كتاباً بما في ذلك أعماله الروائية ومؤلفاته الفكرية والنقدية في فنون الرواية، والفنون التشكيلية، والسيرة الذاتية، وسائر الآداب الإنسانية، وأُدرجت أعماله ضمن برامج التعليم في جامعات أوربية وأميركية، ووافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ‹يونسكو› على ترجمة أعماله إلى ما يقارب عشرين لغة حية في العالم.
كما حاز على العديد من الجوائز والتكريمات، منها القاهرة للإبداع الروائي، وجائزة سلطان العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن أجمل ما كتب مدن الملح، شرق المتوسط، الاشجار، اغتيال مرزوق، حين تركنا الجسر، لوعة الغياب الديمقراطية أولا.. الديمقراطية دائماً، العراق هوامش من التاريخ والمقاومة.
و دوماً ما يصف عبدالرحمن منيف نفسه بأنه بالثائر الروائي، كونه كان يجمع بين الكتابة الروائية والنقد السياسي في آن واحد، ويتحدى التقاليد والأفكار السائدة في المجتمعات العربيةوانتقل الى جوار ربه بعد مسيرة أدبية زاخره قدم بها الكثير من الاعمال التي أثرى بها المكتبة العربية بتاريخ 24 يناير عام 2004 في دمشق بسوريا عن عمر ناهز 70 سنة.