كتب. بشار الجرار
قياما نقف للأرواح الطاهرة التي ارتقت من غورنا الأردني إلى السموات العلا في جوار العليّ. ننحني وقوفا شاهدين على «الأصدق قولا والأخلص عملا» كما جاء في خطاب العرش السامي في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، نحني هاماتنا أمام شهداء الوطن والعرش المفدى، الذين قضوا في معارك لا نعلم جميعها ولا تفاصيلها، ففي بعض البطولة والشهادة والفداء كتمان الصوّان وثبات السنديان وأريج الأقحوان
بيننا من خاض معركة الكرامة، نعتز بشرف العيش في معيتهم. وفينا من خاضها أبوه أو جده نيابة عن الأمة كلها. لم تكن تلك المعركة دفاعا عن الأردن الحبيب وحده، وإنما العرب شرقا وجنوبا وشمالا.. هذه أطول خطوط المواجهة مع العدو قبل توقيع معاهدة السلام، وهي الآن أطول خطوط التماس الذي نأمل ونعمل على أن تبقى آمنة مصانة لا يعبر حدودها سوى ما يصنع السلام والتنمية ويصون الكرامة كما ربتنا حرائر الأصائل عليها جيلا بعد جيل، مذ حفرنا الصخر ونحتناه ورديا نبطيا ما زال عصيا على الاختراق
يوظّف النجباء الأمناء المؤتمنون على تشكيل الوعي الوطني العام وصقله، يوظّفون المناسبات التاريخية -القديم منها والحديث- لتعزيز الحس بالمسؤولية الفردية والجماعية، بما حقق الآباء والأجداد من منجزات وطنية ننعم بثمارها
يكرّس المؤرخون والتربويون وكل من تصدوا لشرف واجب رد الجميل قولا وعملا، يكرّسون أسباب وتفاصيل ونتائج حروب العز والكرامة، لتعزيز روح الفخر الوطني دون خيلاء، وتقوية شعور الواجب دون إكراه، بما يعزز روح المبادرة والإيثار والمثابرة
إن الاحتفال في ذكرى معركة الكرامة واجب وطني مستحق سنويا في الحادي والعشرين من آذار. كما الاحتفاء في الكرامة رمزا ورسالة، واجب وحق مقدّس فردي إنساني في المقام الأول، قبل أن يكون جمعيّا وطنيا
نسمع ونرى في هذه المناسبة -كما في كثير من المناسبات والأحداث الوطنية- هتافات «بالروح بالدم»… هو عهد فداء. فداء بما هو أغلى من كل شيء. وما أغلى من الروح والدم في حياتنا كبشر وكمواطنين، جنودا كنا في العرين الهاشميّ العبدليّ أو عمّالا كنا نخدم في ميادين العمل والعطاء
من الواجب في هذا الزمان الصعب، في هذه الأيام المفصلية، من الواجب بدرجة «فرض عين» الاحتفاء بقيم الكرامة وسبل التعبير عنها في شتى الميادين. لعل في مقدمتها -ونحن نعيش بركة الصومين المسيحي والإسلامي- التدبير في كل ما نستهلك، وهو قطعا لا يعدل «الدم» قيمة
التدبّر في تعاملنا مع قدراتنا الذاتية دون التفريط في حقنا بالطموح في الأفضل. الواقعية في الإنفاق -من ضيق أو سعة- تجعل ميزانية كل بيت تحت السيطرة. فيتحرر رب البيت وربة المنزل، سيدا الأسرة -صغيرة كانت أم كبيرة- يتحررون جميعا من عبء الدين وأعباء الفوائد -مرابحة كانت أم غير ذلك
هو «الجهاد الأكبر»، جهاد النفس، تكبح حاجاتها وتعض على الجرح إن لزم الأمر ولا تسمح لمدين- أيا كان- بالضغط بما تأباه النفوس الحرة. هذه معركتنا جميعا