كتب. بشار الجرار
عند إعدادي المقالة، توالت في خاطري تصريحات عدة نفى أصحابها بأن دنيانا «قمرة وربيع». تكرار ضرب هذا المثال البديهي، أتى ردا على من استسهلوا استصدار شيكات على بياض، في محاولة لتنفيس احتقان أو هروب من مواجهة مستحقة. مواجهة في حقيقتها، مصارحة لدق ناقوس، من خطر إعادة جدولة كمبيالات شيكات مرتجعة، بعد استنزاف رصيد الثقة!
ولعله من يمن الطالع، أن تحل هذه الأيام والدنيا بالفعل قمرة وربيع. انتصف شعبان قبل أيام واكتمل بدره ليتكسب الخضار -مدى العين وعلى امتداد آفاق أردننا الحبيب- بريقا فضيا مع حلول هذه الليالي المباركة، استعدادا لرمضان الفضيل
ومن مكمّلات جماليات المشهد، إضافة إلى قطاعات الزراعة والصناعات الزراعية والسياحة الخارجية والداخلية، لربيعنا أقمار تسبق البدر وتليه، كأحد قوانين علوم الفلك. وقد أحسن خبراء التسويق في بلاد كثيرة، توظيف كل ما يبدو معتادا في أنظار الناس، إلى فرص عمل واستثمار، والأهم فرص إنجاز وفرح
هنا في واشنطن، الزاخرة بالمعالم المعمارية التاريخية والمرافق الحديثة الإبداعية من متاحف وأهمها «سميثونيون» المجاني للجميع -مواطنين وسواحا-، فيها كثير من اللوحات الطبيعية والمطورة -طبيعيا واصطناعيا- التي تستحق تحويل أيام السنة كلها، إلى «قمرة وربيع» من النواحي الجمالية الحضارية والاستثمارية
نسبة كبيرة لا يستهان بها تأتي إلى واشنطن من الولايات الخمسين، لأخذ صورة تحفظ في ألبوم الأسر لأجيال. صور الأعراس، التخريج وكثير من المناسبات الدينية والسياسية والرياضية. أتوقف عند ثلاثة أمثلة قد تعني أشياء ملهمة أو نافعة للمهتمين باستغلال كل فرصة، تحول الحلم والأمل، إلى عمل وإنجاز
المثال الأول وهو الأهم الآن، كوننا في الربيع. يتفادى متعهدو الأعراس نزولا عن رغبة العروسين أو ظروفهما المالية، يتفادون المواسم المكلفة، كالصيف ورأس السنة وعيد الميلاد المجيد والخريف (أحد أجمل فصول واشنطن وولايات الساحل الشرقي عموما). يتم اختيار الربيع،استغلالا لموسم تنوير أشجار الكرز «تشيري بلوسوم» والمتوقع هذا العام، في الأسبوع الثالث من آذار الجاري. صور كثيرة مجانية أو زهيدة التكاليف نسبيا، ترصد تلك اللحظة التاريخية لعقد القران أو الخطبة
المثال الثاني، قيام نشاطات سياحية داخلية لقطاعات خدمت المجتمع بأغلى ما لديها، كقدامى المحاربين والمتقاعدين العسكريين، في زيارات جماعية إلى مرافق وقواعد ذات دلالة تاريخية كحي «نيفي يارد» بواشنطن، أو النصب التذكاري للحربين العالميتين
المثال الثالث، توظيف السياحة الدينية من قبل القطاع الخاص (حيث لا يسمح للدولة بممارسة أو استضافة أي نشاط ديني عملا بمبدأ فصل الدين عن الدولة). تحفل كنائس رسولية تاريخية بزيارات من داخل البلاد وخارجها في الربيع، في توقيت يعني كبار السن على نحو خاص الذين لا تحتمل صحتهم برد واشنطن وحرها الشديدين. المبدع، إن مبادرة القطاع الخاص وظفت السياحة الدينية في حقل المتاحف أيضا منذ سنوات، عند إقامتها متحف الكتاب المقدس متعدد الطبقات والأجنحة، والذي تستغرق زيارة كل ما فيه إلى ما لا يقل عن أسبوع، بما يعني ذلك من إقامة وتوابعها في واشنطن. مبادرة قامت بقرار -مواطنين عاديين كما يقال- بقرار زوجين، السيد ستيف غرين وعقيلته جاكي عام 2010 ، حتى تحولت «جمعية» روحية اجتماعية تطوعية خدمية، إلى متحف يدر الملايين بقلب واشنطن بعد سبع سنين فقط
عمّان كبيرة، والأردن أكبر، ولا سقف لأحلامنا، كان في سمائنا بدرا أو هلالا أو محاقا، أو كان ليلنا ديجورا..في كل فرصة، ولكل من يحسن رعايتها وقطافها في الفصول الأربعة، لا في تلك الليلة التي تبدو فيها الدنيا «قمرة وربيع»!