كتب. الدكتور/ محمود الرجبي
بسبب تربيتنا الخاطئة في بعض الـمجالات نشأ مجتمعنا وهو يتغنى ليل نهار بالأخلاق، ويتصدر الشعراء لنظم القصائد عنها، بينما يقوم الخطباء بسطر الخطب الرنانة في مدحها، وبيان جمالها، ورونقها، وبهائها، وفي الـمقابل، وعند التطبيق العملي تتبخر – غالبًا-، ولا نرى منها سوى تلك القصائد البائسة، فنشعر بِالصدْمَةِ الكبيرة، ونبدأ بالبحث عَن أثرها عِنْدَ بَعْض النَّاس فَلا نجدها.
الـمُشْكِلَة أن غالبية النَّاس تُصَدِّق أن هَذِهِ الأخلاق مَوْجودَة بِشَكْل واسع فِي الـمُجْتَمَع، وأكثر مِمَّا نتوقع، والدليل أنك مَع أوْل كَلِمَة تناقش بِهَا البَعْض يَقُول لَك: أخلاقنا تَقُول، ديننا يَقُول، عاداتنا وتقاليدنا تَقُول. وَعِنْدَمَا تتعمق فِي النقاش تكتشف أنه يقصد أننا نَقُول بلساننا، وَليْسَ بحال أعمالنا، وأن هُنَاكَ فجوة كَبِيرَة بَيْنَ القول وَالفِعْل، وكأن كِلاهُمَا يحلق فِي اتجاه مُخْتَلِف عَن الآخر عِنْدَ البَعْض، وهَذَا الوهم الَّذِي نعيش فِيهِ يجعلنا لا نَسْتَطِيع أن نَبْحَث عَن وَسَائل نحول فِيهِا ما نقوله فِي مَجَال الأخلاق إلى تَطْبِيق عَمَلي.
لَنْ نظلم هُنا النَّاس الَّذِينَ يمتلكون الأخلاق الجَمِيلَة ويفعلون ما يَقُولُون، وهم موجودون فِي كل مَكَان، وزمان، ولله الحمد، وَلَكِن نَحْنُ نتحدث عَن فِئَة مَوْجودَة بِقُوَّةٍ، وَيَكْفِي أن تقود سيارتك، وتبطئ السَّير لتعطي الفُرْصَة لسيدة وَمَعْهَا أطفالها لقطع الشَّارِع، فتسمع من يشتمك من السائقين المستعجلين وراءك، وكأنهم يلهثون وَرَاء الانجازات، وَفَجْأةً ترتفع أصوات الأبواق مستنكرة قيامك بِهَذَا الفِعْل الجَمِيل، وَبِسَبَب معرفتك بحال النَّاس فِي بلادنا، تستغرب لِمَاذَا كل هَذَا الاستعجال من أجل اللاشيء.
وتخيل ما يَحْصل عِنْدَمَا تتم حَالَة طلاق فِي عَائِلَة ما حَيْثُ تبدأ الحرب، وَبِنَاء المتاريس، ويتحول كل شَخْص فِي عين الشخص الآخر إلى شيطان رجيم، وإذا سألت أحدا عَن شريكه السابق فِي الْحَياة، فَلَنْ تجد عَلَى لسانه سوى الشتائم، وإنكار أنه قام ذَاتَ يَوْم بِفِعْلِ جَمِيل، وَتَقُوم الحرب العَالَمِيَّة العَاشِرَة بَيْنَ عَائِلَتِي الطليقين، وَتَسْتَخَدِم فِيهِا أسلحة الكذب، والتضليل، والجحود، وقلة الوفاء، أما الأطْفال فيتحولون إلى وقود مشتعلة لِهَذِهِ الحرب، دونَ مراعاة نفسياتهم المحطمة، ولا أحلامهم بالعيش فِي عَائِلَة مُتَمَاسِكَة متحابة.
أمَّا من يَقُولُون نَحْنُ أسياد النَّاس، وأفضلهم، وعائلاتنا عريقة، وَعِنْدَمَا تنظر إلى تعامل – بَعْضَهُم- تُلاحظ أنهم لَمْ يصلوا بعْد إلى مرحلة أول ابتدائي فِي الأخلاق، وَمَع ذلِكَ يقتنعون داخليًا أنهم أفضل من الآخَرِينَ، رَغْم قيامهم بِمُخالَفَة القوانين، والاعتداء عَلَى النَّاس، وأكل حقوقهم، وَيَبْدُو أن الحول الفكري شَلَّ حواسهم عَن رُؤْيَة الحقيقية، فرأوا قزميتهم وَقَدْ تَحَوَّلَت إلى أكبر العمالقة.
الخُلاصَة: أجمل مقولة سمعتها فِي حَيَاتِي: سمعت عَن الأخلاق فِي بلاد العرب، ورأيتها فِي مَكَان آخر. وَلِلْحَدِيثِ بَقيَة، مَع احترامنا لكل من يتخلق بالأخلاق الجَمِيلَة فِي بلادنا العَرَبية الواسعة.