كتبت. هند السليم
رجال فلسطين جبلوا بدمهم وعرقهم وجهدهم كل بلاط وأحجار القدس؛ فلسطين التاريخ محفوظاً فيها بين ذرات ترابها وأزقتها، ذلك التاريخ، الذي لا يمكن تزويره أو بيعه أو العبث به، أو حتى إزالته، فهو تاريخ منقوش في الصخر، كما هو مسطور في الدهر.
ومع ازدياد الاقتحامات والإعتداءات على الأماكن المقدسة ومحاولة تهويدها وطمس معالمها؛ في هذا الوقت بالذات، الوقت الذي تحولت فيه الأكاذيب إلى حقائق والحقائق إلى مزق صفراء بالية، في هذا الوقت تصبح الكلمة مساوية للرصاصة “ثورة”.
في هذه اللحظات العصيبة التي تتغير فيها التحالفات العربية، وتمتد الأيدي لمصافحة السكين، في هذه اللحظات يخرج علينا من يكسر القيد ويشرق وجهه بالعتق ويلملم يقينه الذي تبعثر لتكون القدس هي وجهته كما هي دوما وجهة الأحرار … أنهم رجال دولة فلسطين وشبابها وأبطالها صانعو التاريخ العربي.
بين رجالات فلسطين الحبيبة نجد روح التسامح متجذّرة بين أبناءها “مسلمين ومسيحيين”؛ حيث ساهم ذلك في خلق حالة حضارية من الوعي والإدراك لدى سكانها وأهلها العرب، من أجل الحفاظ على بصمة التاريخ، وحدهم من يحملون وجع أراضيهم ينبتون في كل حين وفي كل أرض مهما بعدت عليهم المشقة؛ فهم رجال ذخيرتهم التكبير وأنفاسهم الغضب.
من منا لا يعتريه شعور الغضب عند مشاهدة جنازات الشهداء الأحرار؟ من منا لا يتمنى الانتقام عند مشاهدة أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبناءهم؟ من منا لا يتعاطف ويشعر بأصحاب المنازل التي تهدم في الأراضي الفلسطينية؟ من منا لا يثور عندما يرى مشاهد قتل الأطفال وقصف المدن؟ فثقافة الموت والمقاومة والعمليات الاستشهادية أصبحت مكوناً أساسياً في ثقافة الفلسطينين نتيجة العدوان والإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرضون لها.
إن الخوف الأكبر لدى الاحتلال بعد تكرار العمليات البطولية النوعية تهز قلب الكيان الصهيوني بأشكال وأساليب مختلفة عالية المستوى، كما حدث بآخر عملية في القدس؛ حيث كانت المعادلة بدخول كيان لدولة بهدف قتل عشر أبطال في جنين فجاءهم الرد بدخول بطل واحد وقتل كيان بأكمله رعباً، وصنع لهم صدمة تحفر بذاكرتهم.
فأنتقم الحفيد لجده؛ حيث أن عملية الشاب مساء أمس في القدس التي أدت لمقتل 10 مستوطنين كانت بنية مسبقاً، ومعدة لرصد المكان، فالشهيد الشاب سمي على اسم جده “خيري موسى علقم”، حين طعن في صباح الثالث عشر من مايو / أيار من عام 1998، بعد أن طعنه مستوطن إرهابي في حي “ميه شعاريم” في القدس، خلال توجهه لعمله.
بالمحصلة نستخلص من رسائل الاستشهاديين مادة ممتازة لتحليل المشهد، لأن كلماتهم وأفعالهم تعبر عن توجهاتهم الدينية والوطنية والإنسانية، كما تحمل مضامين سياسية بحتة، لتخلق توازن القوى والرعب في المجتمع الصهيوني.
ومن هنا لا بد أن يكون أولويتنا الحفاظ على صلب معادلة الكرامة الإنسانية وهي الغاية التي ننشدها جميعاً كـ”مسلمين” أولاً و كـ”عرب” ثانياً.
اللهم نستودعك فلسطين الحبيبة وأهلها.