كتب. الدكتور/ محمود الرجبي
عِنْدَمَا تتحدث شَخْصِية بحجم رئيس الشاباك الإسرائيلي السابق يوفال ديسكين عَن خطر داهم عَلَى دَوْلَة الاحتلال من داخلها فَهذا يُعْطِي مُؤشِرًا عَلَى أن “إسرائيل” تمر فِي أزمة غير مسبوقة، تظهر فِي وَاحِدَة من تجلياتها من خِلال الصراع ما بَيْنَ اليمين الديني، والقوى غير الدينية، وَلأسْبابٍ أخْرَى لا عَلاقَة مُبَاشَرَة بالصراع العربي الإسرائيلي.
لَمْ تعد “إسرائيل” تمتلك قُوَّة الردع الَّتِي كانَت عَلَيْهَا سابقًا، هَذَا ما يُجْمَع عَلَيْهِ كثير من المحللين، فرغم فائض القوة العَسْكَريَّة لَديها، والتعاطف الرسمي فِي كثير من دول العالم، وتشتت أعْدَائها، وتوقيع اتفاقيات مُتَعَدِدَة مَع العرب، وَمَع ذلِكَ، فإن قوتها العَسْكَريَّة لَمْ تعوض عِدَّةِ نِقَاط ضعف داخلها لتصل إلى مرحلة يحذر فِيهِا رئيس الشاباك السابق من شبح حرب أهلية فِيهِا، ويشير إلى هروب كثير من المستثمرين الأجانب خارج فِلِسْطِين المحتلة، بَلْ ويصل بِهِ الأمر إلى وصفه ما يجْرِي هُنَاكَ بأن “نتنياهو جعل الدَّوْلَة ممتلئة بالسلاح ومُصابًا بداء القتل والعنف وتحكمه عائلات الإجرام”.
وحسب ما تشير التقارير الـمُخْتَلِفَة فإن دَوْلَة الاحتلال مصابة بعدة نِقَاط ضعف ستؤثر عَلَى مستقبلها فِي الـمَنْطِقَة، والأولى ضعف قُوَّة ردعها، بِحَيْثُ أن أعداءها أصْبَحُوُا قادرين عَلَى قصفها، وضربها مُبَاشَرَة، وَلَمْ تعد – كَمَا كانَت سابقًا- محتكرة لِلقُوَّةِ الصاروخية، وَالطَّيَرَان، وغيرها من الأدوات الَّتِي تجعلها تضرب ولا أحد يضربها، وهَذَا انتهى الآنَ.
والأمر الآخر هُوَ سيطرة اللوبي الصهيوني عَلَى الإعلام الغربي، وهَذَا بات محل شك مَع انتشار منصات التواصل الاجتماعي الَّتِي أثرت عَلَى قطاعات واسعة أصْبَحَت تظهر تعاطفها مَع الشعب العربي الفلسطيني، وتنتقد بِقُوَّةٍ الإجراءات الإسرائيلية، وتسخر من روايتها للأحداث القائمة عَلَى تمثيل دور الضحية، وأنها تعيش فِي وسط عربي متوحش متخلف، وَهَذِهِ النُّقْطَة، باتت أيضًا محل شك فِي الغرب، فَقَد تقدمت الدُّوَل العَرَبية، وزادت نسبة التَّعْلِيم فِيهِا، بَلْ وَامْتَلَكَت بَعْض الدُّوَل العَرَبية جزءًا من تقنيات كانَت محصورة بالكيان، مثل التصنيع الدوائي – الأرْدُنّ، وَقُوَّة الجيش وَالطَّيَرَان – مِصْر، ناهيك عَن التماسك الَّذِي ما زالَ قائِمًا فِي كثير من الدُّوَل العَرَبية.
وَعَلَى الجانب الآخر فإن صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري فاق التصورات، وَيَكْفِي أن نشير إلى ما قَالَهُ محلل الشؤون الفلسطينية في صحيفة “يديعوت أحرونوت آفي زخاروف الَّذِي قَالَ: “إن الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة لا يخاف الـمَوْت، ولا يعمل حساباً للتفوق العسكري الإسرائيلي”.
فرغم أن دَوْلَة الاحتلال قَامَتْ بكل ما من شأنه أن يجعلها بَعِيدَة عَن أي هزة، أوْ خضة أمنية، وَلَكِنَّهَا واقعة فِي أزمة كَبِيرَة.
ما قَالَهُ ديسكين يمثل رأس جبل الجليد، وَلَوْ عددنا الإشكاليات الَّتِي يواجهها الكيان لاحتاجنا لعشرات الـمَقَالات. الخُلاصَة: لا يُمْكِنُ قهر شعب يُرِيد الحرية، وما تَقُوم بِهِ دَوْلَة الاحتلال من تنكيل فِي الشعب الفلسطيني لا يُمْكِنُ أن يستمر، والأيام القادِمَة حبلى بأحداث جسام.