كتب. بشار جرار
قد ننسى، والأصح كثير منّا يتناسى حكمة ربانية لم تنقطع آثارها في حياتنا، وتتجلى في خلق رب العالمين لأسباب الوقاية والعلاج أكثر مما عرفته البشرية من أمراض. بلغنا ثمانية مليار نسمة رغم كل الحروب والأمراض والمجاعات والكوارث البشرية والطبيعية.
احتفلت الأوساط العلمية في أمريكا والعالم مع ميلاد عام جديد، احتفلت بدواء جديد يبشر بالكثير لمرضى الزهايمر وأسرهم وأحبابهم الذين تفوق معاناتهم معاناة المريض نفسه. ابتلاء الصبر على مرض الحبيب أكثر إيلاما، والله نسأل شفاء الناس كافة.
ما أثار الذاكرة الوطنية فيما يخص الكشف الأمريكي الجديد أربع قضايا في غاية الأهمية: الأولى أهمية التشريعات المحفزة والراعية لأي كشف، لأي إبداع في أي ميدان كان. كانت هذه القضية سياسية بامتياز قبل عامين عندما طرحها الرئيس الأسبق دونالد ترامب في حملته الانتخابية فيما عرف بحق المريض وأسرته بالتجريب. تجريب دواء لم يستوف بعد المدد الزمنية والاختبارات المخبرية والإكلينيكية الكافية للحصول على موافقة هيئة الرقابة على الدواء والغذاء «إف دي إيه».
القضية الثانية: هي الصناعة الدوائية الأردنية التي كانت ومازالت قادرة على التنافس الإقليمي والدولي. وقد أثبت التعامل الأردني المتميز مع أزمة كوفيد التاسع عشر موثوقية الدواء والتجهيزات الطبية والأهم الخبرات الطبية الأردنية في أمريكا. كم افتخرنا بأعلام أردنية عرفتها وسائل الإعلام الأمريكية ولم تنل المساحة التي تستحقها في إعلامنا الوطني الأردني بقطاعيه العام والخاص. لست أدري مشكلة البعض في صناعة النجم الأردني ورعايته. تلك مسألة ما زلت أذكر بوح الإعلامي الأردني الكبير الأستاذ الخلوق غالب الحديدي الذي كرمه سمو الأمير الحسين ولي العهد مؤخرا عن دور الأردنيين خاصة في الخارج في الترويج لقصص النجاح الأردنية بعيدا عن المنافسة غير المهنية وغير الحميدة، والغيرة النرجسية!
أما القضية الثالثة فهي الرعاية. تتميز المنظومة الأخلاقية والروحية في الأردن ومشرقنا العظيم عموما في الرعاية الأسرية المباشرة والممتدة لكبارنا بما يحفظ لهم وقارهم ومكانتهم. في الصيف الماضي عرفت -ودون ذكر أسماء حفظا للخصوصية- الدور الذي تقوم به مؤسسات روحية خدمية والأسرة والعشيرة في رعاية مرضى مرتبطة بتقدم العمر ومنها الزهايمر. هذا ليس انتقاصا من قدر المؤسسات الحكومية والأهلية المختصة التي ما زلت من المؤمنين بأنها يجب أن تكون رديفة لا بديلة عن بيت الأسرة وبيت العيلة.
القضية الرابعة والأهم هي الوقاية، فقد يكون من الواجب تصدي قادة المجتمع لنوعية الطعام والشراب وأسلوب الحياة الصحية التي لا تقي فقط من الزهايمر وإنما من أمراض كثيرة تكلف مليارات الدولارات. القطاع الصحي في أمريكا ومنذ نحو عقدين، صار قضية أمن قومي.
الأمل معقود بكل تلك المؤسسات المحبة العطوفة الراعية لكبار السن أن تستبق نزول البلاء ووقوع المحنة، فتقلل منها عبر إحداث تغيير حقيقي في فهمنا للصحة كنعمة أولا ومن ثم كميزة مكتسبة وتنافسية.. أولسنا من المؤمنين بمقولة الحسين العظيم: الإنسان أغلى ما نملك. فلنبرّ بهذا العهد، ونصون ما أراده الله هيكلا نمجّد فيه اسماءه العظمى.. الصحة أمانة فردية في المقام الأول.. فلنصونها ونعمل مبكرا على توقير كبارنا.