كتب. الدكتور / محمود الرجبي
كُلَّمَا كتبنا عَن عمليات النصب والاحتيال فِي الـمُجْتَمَع نظن أنها الـمَرَّةَ الأخيرة الَّتِي نضطر فِيهِا لِلكتابةِ لأنَّ النَّاس ستستيقظ وبعدها لَنْ يعود لأيّ نصاب أوْ محتال فُرْصَة ليعمل، وَلَكِنَّنَا نفاجأ بالأخبار بوجود عَمَلِيَّة نصب جَديدَة، وَكَبِيرَة، والمصيبة تَكُون عِنْدَ اكْتِشَاف أن عَددًا كبيرًا من المواطنين من مُخْتَلِف الأعمال، وَالـمُسْتَويات التعليمية، ومِن أماكن مُخْتَلِفَة وقعوا ضحية فِي هَذِهِ الْعَمَلِيَّة.
قبل انتشار الإنترنت اشتهرت عدة عمليات نصب كَبِيرَة فِي بَلَدنَا، وَكانَ الضحايا بالمئات، وَربَّمَا بالآلاف، وَلَكِن بعْد انتشار الإنترنت، توقع النَّاس أن هَذِهِ العَمَليات ستقل، ووعي النَّاس سيكبر، وَلَكِن الَّذِي حَصَلَ هُوَ أن هَذِهِ العَمَليات زادت، وتوسعت، وَتَغَيَّرَ شكلها، وأصبحت أكثر تَعقيدًا وبساطة فِي الوَقْت نَفْسه.
يَقُوُم مبدأ النصب والاحتيال عَلَى “عَقْليَّة الطمع” عِنْدَ الضحية، وعنصره الأساسي اختراع قِصَّة تخلط بَيْنَ واقع معين، وآخر وهمي يَتِمّ من خلاله إقناع النَّاس بوجود ربح هائل. نسمع يوميًا عَن رسائل تأتي لِلْنَاسِ تُخْبِرْهُم أنهم فازوا فِي مسابقات لَمْ يشتركوا فِيهِا، وَمَع ذلِكَ يتجاوب بَعْض النَّاس ويرسلون أموالاً ليحصلوا قِيمَة الجائزة الكبيرة، ثمَّ يكتشفوا أن الـمَوْضُوع كُلهُ كذب فِي كذب، وَهُنَاكَ من يدعي باكتشافه ذَهَبَا فرعونيا، وآخر لَدَيْهِ مُخَطَط لوجود كَنز مرصود، وَهَكَذَا.
الأساس الأول فِي القضاء عَلَى النصابين والمحتالين هُوَ الوعي عِنْدَ المواطن، وتكثيف الجهود الأمنية فِي البَحْث عَنْهُم، ومراقبتهم بِشَكْل دائم بعْد خروجهم من السِّجْن، فَهُنَاكَ أشخاص نعرفهم سجنوا عدة مَرَّات، وَلَكِنَّهُمْ يعودون للنصب بأشكال، وَوَسَائل مُتَعَدِدَة بعْد خروجهم من السِّجْن، وَلُحُسْنِ الحظ أنه يَتِمّ الآنَ تغليظ العقوبات عَلَى مكرري الجرائم، وهَذَا يُمْكِنُ أن يُسَاهِم فِي تقليل خُطُوُرَة أمثال هَؤلاء، وَيُمْكِنُ أيضًا فِي هَذَا السياق الوُصُوْل إلى طَرِيقَة يَتِمّ فِيهِا طرح خدمة التقصي عَن حَالَة شَخْص معين وإذا ما كانَت لَدَيْهِ سوابق جرمية فِي هَذَا المجال، بِحَيْثُ يُمْكِنُ التقصي عَنْهُ من قبل أي شَخْص يُرِيد إقامة عمل مالي معه، وَيُمْكِنُ وضع تشريع فِي هَذَا السياق، وهَذَا يَحْتاجُ إلى دراسة، وتقنين من المختصين.
فِي الخُلاصَة: إلى كل مواطن فكر جَيِّدًا، واعرف أنه لا مَجَال لأيّ ربح فاحش وَكَبِير يأتيك هَكَذَا، وأن كبار التجار فِي البلاد عملوا لِسَنواتٍ طَوِيلَة جِدًّا حَتْى جنوا أرباحهم، وأن من يوهم الآخَرِينَ بمثل هَذَا الربح هُوَ يستثمر فِي طمع وغباء بعضهم – مَع احترامي لِلجَميعِ-