كتب. بشار جرار
من علامات استمرار الخير في بلادنا عدم اندثار هذه المقولة. نأخذ ما يحتاجه البيت يوميا وأكثر من مرة. يقوم صاحب البقالة – قبل عصر الميني ماركيت- بتسجيل ما تم اقتراضه على دفتر، ليقوم كبير الدار نهاية الشهر، بالسداد يوم استلامه الراتب وقبل دخوله البيت
ولمن لم يعش تلك الأيام «البركة»، ابنا أو أبا، لا غنى عن سرد بعض تفاصيل ذلك الدفتر
كانت الأسماء تذكر بالكنى، فإن وقع تكرار، استخدم الاسم الأول أو العشيرة.. هكذا بطرفة عين، كنت ألمح -بفضول لا تطفّل- ما اقترضه جيراننا «قرايبنا اللزم».. وكأن غداءنا كان موحدا ووفق نمط شهري متكرر يعكس مدى توفر القدرة الشرائية و»الائتمانية»!
تطورت الدكانة وزادت من سلعها وتنوعها، لتزداد معها قائمة الاقتراض، فلم تعد الأسماء متناثرة على صفحة واحدة، وصار لكل مدين صفحاته الخاصة. وكانت «الحجة» رحمها الله، الأرملة التي أحسنت تربية أولادها حتى صاروا يتولون «بمن حضر» عملية التسجيل بالدفتر، كانت ذات ذاكرة فولاذية، كانت تعرف دخان أبي رحمه الله المفضل، «فيلاديلفيا» العادي وليس الأحمر. يومها قبل زهاء نصف قرن، صحّحتني عندما أحببت أن يجربه، لا لشيء إلا لأن لونه أحمر ومن النوع الفاخر «إكسترا»!
في بدايات الاغتراب والهجرة، انبهرت كغيري بالمحال التجارية الكبيرة في بريطانيا وأمريكا. استسهلت استخدام تلك البطاقات البلاستيكية فرحا بعروض الخصم، حتى تعرّفت على أخ من المحافظين الأمريكيين الداعين إلى العودة إلى التعاملات التجارية التقليدية البسيطة. وقد تبيّن مع التجربة، أن المشاريع التجارية الصغيرة، خاصة التي تؤسسها أسرة، هي الأعلى مصداقية وموثوقية، والأكثر بركة ورحمة على «صغار» المستهلكين
العودة إلى دكانة الحارة، وأسواق التعاونيات كتلك التي تقام في الأحياء السكنية الوظيفية، وحتى الأكشاك والبسطات (طبعا المنظمة قانونيا وفقا لرؤى أمانة عمان الكبرى والبلديات في محافظات المملكة)، هذه العودة ليست فقط حميدة، وإنما باتت ضرورة لاعتبارات عدة في مقدمتها ضبط الإنفاق وترشيده، حسن إدارة الدين الفردي والأسري، وتعزيز الروابط الإنسانية بين طرفي المعادلة التجارية
وتبقى المعادلة الخالدة هي: بين البايع والشاري يفتح الله.. تقال هذه الجملة للأسف على غير معناها الروحي. فالله فاتح أبواب الرزق للناس كافة. ولا خير في سد باب أمام طالب سلعة أو قرض ما لم يكن في ذلك سد ثغرة ودفع ضرر