كتبت. هند السليم
نستيقظ على أحداث وننام على أخرى، كل الأشياء في هذا الكون تتغيير وتتبدل؛ والأحداث تتسارع، وما علينا كــ”عقلاء” إلا التفكير بسؤال واحد فقط … من أين نبدأ ومتى نُكمل؟
من أين نبدأ؟ سؤال يتردد صداه في أرجاء الوطن صباحاً ومساءاً، من شتى المذاهب الفكرية، فجميعنا يدرك حجم الضائقة الاقتصادية والاجتماعية التي وصلنا لها اليوم على مر السنوات، والكل يسعى لاسترجاع العصور الذهبية التي كنا نعتقد أنها سنوات عجاف مقارنةً مع ما نعيشه الآن.
البعض يرى أنها تكون بالإصلاح السياسي وبعدها يجري تصحيح سائر الأخطار والإنحرافات والمفاسد، والبعض الآخر يرى أن البداية تكون بتحرير الناس من السيطرة المادية على قلوبهم التي عطلت تفكيرهم، وذلك بإخراجهم من رواية “عنق الزجاجة” التي أُقنعت بها الشعوب العربية عنوةً، بينما ما تزال الأزمات تملي علينا وجودها فمتى نكمل هذه الأزمات؟
أصبح الوطن حزين … شهداء واجب، أوضاع اقتصادية متردية، أسلوب حياة جديد مقنن بشروط وضوابط وتَخوف، حيث حان الوقت للبحث جيداً بين السطور التي تعانقنا كل يوم في حياتنا، والتي تجعلنا نتشبث بالحياة؛ فنحن نملك فرصة واحدة للعيش بسلام وأمان، وعلينا البحث عن منفذ يجعلنا نتنفس الحياة كي نصل لنهاية الطريق ونُكمل ما بدأ من أحزان لنتجه إلى الإصلاح …. “إصلاح المجتمع بأكمله – التغيير”.
إن المنفذ الوحيد الآن هو إدارة الأزمة بحكمة، فعلم إدارة الأزمات وضع للمحافظة على أصول وممتلكات الدولة، وقدرتها على تحقيق الإيرادات، كذلك المحافظة على مواطنيها ضد المخاطر المختلفة، والعمل على تجنب المخاطر المحتملة أو تخفيف أثرها، فى حال عدم التمكن من تجنبها بالكامل، وهنا نقف عند تساؤل مهم وهو: هل نجيد إدارة الأزمة؟ وقبل ذلك، هل لدينا ثقافة إدارة الأزمة؟
للأسف الإجابة “لا”، وهذه نتيجة منطقية لمقدمات واقعية، فعندما نتسائل عن الفشل وأسبابه في الإدارة!! نقول: غياب التخطيط السليم، وافتقار المسؤولين لثقافة إدارة الأزمة، وأيضاً لا ننسى الافتقار لقواعد بيانات حديثة عن تاريخ الأزمات والإمكانيات المتاحة لإدارتها.
ومما لا شك فيه أن غياب هذه المعلومات يضاعف من مشكلات التخطيط الفعال لإدارة الأزمات، لذلك قلما نجد خططاً استراتيجية قادرة على التنبؤ والمبادرة بإدارتها؛ حيث يمكن القول إن الأزمات التي تضرب وطننا تكرر نفسها، كما أن الإدارة برد الفعل في مواجهتها تكرر أيضاً نفسها، وبالتالي تقع خسائر مادية وبشرية كبيرة؛ فنحن نعاني من غياب ثقافة الشعور بالخطر وضرورة إدارة الأزمة بين الأفراد والمؤسسات في حكومتنا؛ حيث ترفض هذه الثقافة أي حديث عن الأخطار والتهديدات المختلفة واحتمالات وقوع أزمات، ولا يوجد مجتمع يخلو منها.
ينبغي ألا تخضع الأزمات للعشوائية، وسياسة الفعل ورد الفعل، فصناع القرار وقيادتنا ومسؤوليننا لا يجيدون هذه الثقافة، لأنهم يفضلون العمل منفردين ظناً منهم أنهم الأقدر دائماً وليسوا بحاجة لأطراف أخرى يمكن أن تدعي أنها السبب فى حل الأزمة، لو حلت، ويأخذون هم التقدير.
أما ما يتطلبه الوضع الآن من حكومتنا ومسؤوليها بناء هياكل حديثة لإدارة الأزمات، وبناء شبكات تعاون وتبادل خبرات وقدرات، ورسم استراتيجيات شاملة؛ فأزمة وطننا الآن بحاجة إلى قيادة استراتيجية .. قيادة حقيقية وحسب.
رحم الله الشهيد “الدلابيح” وزملاؤه ممن سبقوه، هم رمز العطاء، وعنوان المجد والعزة، فبدمائهم الطاهرة تبنى الأوطان، وببطولاتهم الفذة نُفاخر الشعوب والأمم؛ فهم الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه في ميادين العزّة والإباء.
اللهم آمنا في وطننا وأصلح ولاة أمورنا وأيدهم بالحق … وإنا لله وإنا إليه راجعون