كتب. الدكتور/ عبدالكريم أبو دلو – تتمتع الدول المستقلة بالسيادة الوطنية؛ بمعنى حرية الدولة الخالصة بتنظيم شؤونها وإدارة مصالحها سواء الداخلية او الخارجية أصالة ودون تدخل من أي جهة، إذ تمارس الدولة سيادتها عبر سلطاتها المختلفة.
ويبرز دور مهم لوزارة الداخلية في تكريس السيادة الداخلية للدولة، التي تشير لإرادة الدولة في إدارة شؤونها الداخلية من جهة، وإبراز مظاهر الدولة وسلطتها في تسيير شأنها الداخلي، وبحكم علاقتها مع المجتمع بمختلف مكوناته.
وإذ كان مجلس الوزراء، هو المعني بإدارة جميع شؤون الدولة الداخلية وفق مقتضيات المادة 45 من الدستور. فإن وزارة الداخلية، تعتبر من أكثر الوزارات معنية بتحقيق السيادة الداخلية للدولة، نظرا لطبيعة المهام والواجبات المرتبطة بهذه الوزارة، وهي تختلف بطبيعتها وفلسفتها السياسية والإدارية عن مهام وواجبات بقية الوزارات. فوزارة الداخلية هي أداة الدولة في بسط سيادتها الداخلية.
يظهر ذلك الارتباط وثيقا بين وزارة الداخلية والسيادة الداخلية للدولة في الأدوار المختلفة والعديدة للوزارة، التي تمارسها سواء من خلال مركزها أو من خلال أذرعها التنفيذية المنتشرة في مساحات الوطن كله؛ المتمثلة بالمحافظات والمتصرفيات ومديريات الأقضية.
إن فرض هيبة الدولة وحفظ النظام العام وتحقيق سيادة القانون وتنفيذ السياسة العامة للدولة؛ هي المعاني البارزة لمفهوم سيادة الدولة الداخلية. ونقرأ هذه المعاني جليةً في التشريعات المنظمة لعمل وزارة الداخلية.
فمن جهة، نصت المادة 4 من نظام التشكيلات الادارية رقم 47 لسنة 2000 وتعديلاته على المهام والمسؤوليات الموكلة إلى وزارة الداخلية، والتي منها: اتخاذ التدابير والإجراءات الخاصة بحفظ الأمن والنظام العام والآداب والسلامة العامة في المملكة ومنع الجريمة، وتعزيز الوحدة الوطنية وقيم الولاء والانتماء بين أبناء الوطن، والتأكيد على مبدأ سيادة القانون والحفاظ على هيبة الدولة.
فهذه المهام والمسؤوليات هي تفعيل حقيقي لمظاهر السيادة الداخلية، توكل إلى وزارة الداخلية وتمارسها وفق الأطر الدستورية والتشريعية النافذة.
كما أن المهام والصلاحيات المخولة إلى الحكام الإداريين؛ من محافظين ومتصرفين ومدراء أقضية، تستجيب بطبيعتها للوظيفة السيادية لوزارة الداخلية، وذلك وفق مقتضيات نظام التشكيلات الإدارية – فضلا عن التشريعات الأخرى، الذي يولي الحكام الإداريين مجموعة من المهام والصلاحيات أبرزها: المحافظة على الأمن والاستقرار والنظام العام، وتحقيق العدالة ضمن سيادة القانون وتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء المحافظة، والمحافظة على حقوق الدولة.
إن هذه المهام، بطبيعتها وغاياتها، هي تجسيد لمظاهر سيادة الدولة، وتترجم معنىً واضحا لإرادة الدولة ببسط سيادتها على أراضيها وتحقيق أشكال الاستقرار المجتمعي وسيادة القانون.
هذه التجليات التشريعية، تُربط السيادة بأعمال وزارة الداخلية. ولكن في ضوء المستقبل المغيّر للمفاهيم التقليدية وأدواتها، والمتغير بفضل التطورات التقنية والرقمية، الذي سيفرض شكلا مختلفا للسيادة، لا بد للدولة أن تتواكب مع هذا الاختلاف، من خلال إعادة بناء مهام سلطاتها، ومنها مسؤوليات وزارة الداخلية.
هذه الخصوصية التي تتمتع بها وزارة الداخلية في تكريس سيادة الدولة، من خلال المهام الشمولية، من شأنها أن تفرض على العاملين في هذه الوزارة واجبات عديدة، وتضبط حياتهم العامة بقيود معينة، منها تقييد ممارستهم للحقوق السياسية المتمثلة بالترشح للانتخاب والانتماء للأحزاب. مما يستلزم النظر إلى هذه الوزارة نظرة تختلف عن غيرها، بما يتفق مع ثقل مسؤولياتها الوطنية.